هل يفتح اعتراف حزب زوما بالصحراء المغربية بابًا لتغيير الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا
رغم تموقعه في المعارضة، خلف إعلان حزب “أومكونتو وي سيزوي” (MK) الجنوب إفريقي، الذي يقوده الرئيس السابق جاكوب زوما، اعترافه بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، صدى سياسيًا ودبلوماسيًا واسعًا داخل جنوب إفريقيا، الدولة التي تعد ثاني أقوى داعم لجبهة “البوليساريو” بعد الجزائر، والأكثر رمزية بسبب تاريخها في مناهضة نظام الفصل العنصري.
ولا تندرج الخطوة التي فاجأت الأوساط السياسية، فقط ضمن سياق الصراع المحتدم بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، الذي كان زوما أحد أبرز رموزه، وبين حزبه الجديد MK، بل تأتي أيضًا تتويجًا لمسار دبلوماسي مغربي طويل الأمد، استهدف خلق اختراقات داخل بنية القرار السياسي الجنوب إفريقي، في بلد يتمتع بثقل اقتصادي كبير ونفوذ معتبر داخل الاتحاد الإفريقي ودوائر صنع القرار في القارة.
مقاربة براغماتية جديدة:
وجاء هذا التحول من خلال وثيقة صادرة عن الحزب بعنوان: “المغرب وجنوب إفريقيا: شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية، والتحرر الاقتصادي، والسلامة الترابية”، دعا فيها الحزب إلى تجاوز الصراع الإيديولوجي التقليدي، والتركيز على بناء مصالح اقتصادية وجيوسياسية مشتركة مع المغرب.
وأبرز حزب MK في الوثيقة أن “كلا البلدين يضطلعان بدور بارز في جهود حفظ السلام بالقارة الإفريقية”، ويتقاسمان رؤية مشتركة حول “الدبلوماسية متعددة الأقطاب، وإصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس صوت القارة”، كما يشتركان في “مناهضة الأجندات الانفصالية المدعومة خارجيًا والتي تستهدف إضعاف الدول الإفريقية”.
أما اقتصاديًا، فقد شدد الحزب على ضرورة تعزيز التعاون بين الرباط وبريتوريا باعتبارهما من أقوى الاقتصاديات الإفريقية، مبرزًا أن هذا التعاون يمكن أن “يطلق إمكانات تجارية هائلة، خاصة في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية”، داعيًا إلى دعم السوق القارية الموحدة، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال تطوير القطاع الزراعي، مع التركيز على خلق فرص الشغل وتقليص التبعية للخارج.
موقف واضح من قضية الصحراء المغربية:
الوثيقة ذاتها تضمنت موقفًا غير مسبوق من طرف حزب سياسي جنوب إفريقي بخصوص قضية الصحراء المغربية، إذ جاء في النقطة السادسة منها أن الحزب “يدعم موقف المغرب انطلاقًا من مبادئ تقرير المصير والسيادة وسلامة الأراضي”، مؤكدًا على “الشرعية التاريخية للمغرب في الصحراء قبل الاستعمار الإسباني، وعلى الروابط القبلية مع العرش المغربي”.
كما أشار الحزب إلى أن “المسيرة الخضراء لسنة 1975 كانت فعلًا سلمية مؤيدة للتحرر، وحظيت بدعم دبلوماسي من عدد من الدول الإفريقية”، معلنًا تأييده لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، وواصفًا إياه بأنه “مبادرة واقعية ومتوازنة، تضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة”.
وأضاف الحزب أن “المقترح المغربي يتيح لسكان الصحراء المغربية حُكمًا ذاتيًا موسعًا ضمن السيادة المغربية”، داعيًا المجتمع الدولي إلى “النظر في هذا الحل كخيار فعال لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة، في إطار الوحدة الترابية للمملكة”.
قوة معارضة صاعدة:
يُعد حزب MK اليوم القوة السياسية الثالثة في جنوب إفريقيا، حيث حصل على 58 مقعدًا في الجمعية الوطنية عقب الانتخابات الأخيرة، خلف كل من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم (159 مقعدًا) والرابطة الديمقراطية (87 مقعدًا)، ويقود بذلك المعارضة في البرلمان.
ورغم أن الحزب أعيد إحياؤه سنة 2023 بعد أن كان جناحًا مسلحًا للمؤتمر الوطني الإفريقي، فإن عودته جاءت بقيادة جاكوب زوما وعدد من السياسيين المنشقين عن الحزب الحاكم، في خطوة أعادت تشكيل الخريطة السياسية في البلاد، لا سيما في ظل توجهه إلى اتخاذ مواقف مناقضة للتيار الحاكم في عدد من الملفات، ومن بينها الموقف من المغرب وقضية الصحراء.
علاقات متجذرة تعود إلى ما قبل 2017
التقارب المغربي مع جاكوب زوما لم يبدأ مع إنشاء حزب MK، بل تعود بداياته إلى سنة 2017، حين التقى زوما، بصفته رئيسًا للبلاد آنذاك، بالملك محمد السادس على هامش قمة الاتحاد الإفريقي - الاتحاد الأوروبي في أبيدجان، في لقاء فتح الباب أمام تعيين سفراء رفيعي المستوى في كل من الرباط وبريتوريا، كما أعلن عنه رسميًا حينها.
هذا اللقاء، الذي عُدّ حينها خطوة غير مسبوقة، مهّد الأرضية لتقارب دبلوماسي جديد بين البلدين، قبل أن تتغير القيادة السياسية في جنوب إفريقيا مع صعود سيريل رامافوسا، أحد أبرز المؤيدين لجبهة البوليساريو.
ويمثل اعتراف حزب زوما بسيادة المغرب على صحرائه تطورًا نوعيًا في مسار الدبلوماسية المغربية بإفريقيا، ويكشف عن نجاح الرباط في تحقيق اختراق مهم داخل بلد طالما اعتُبر من أشرس المدافعين عن الطرح الانفصالي. ورغم أن حزب MK ما يزال في المعارضة، فإن تموقعه كثالث قوة سياسية وصعوده السريع يفتح آفاقًا جديدة لإعادة رسم العلاقات المغربية الجنوب إفريقية في قادم السنوات.