المغرب يقتنص صدارة الاستثمار في إفريقيا رغم تراجع التدفقات العالمية
هذا الأداء الاستثنائي يضع المغرب ضمن أبرز الوجهات الاستثمارية في شمال إفريقيا، إلى جانب مصر وتونس، وهي المنطقة الوحيدة في القارة التي شهدت نمواً في الاستثمارات، بنسبة 12%، رغم الانخفاض الحاد في المشاريع الميدانية على المستوى الإفريقي ككل، والتي تراجعت من 178 إلى 113 مليار دولار.
ويؤكد التقرير أن المغرب نجح في ترسيخ مكانته كمحور استثماري إقليمي بفضل تركيزه على قطاعات واعدة، مثل الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والاقتصاد الرقمي. كما شهدت المملكة تنفيذ مشاريع رائدة، أبرزها مشروع لإنتاج الأمونيا الخضراء ووقود صناعي نظيف، باستثمارات من دول مثل الصين وفرنسا والإمارات والمملكة المتحدة.
وفي ظل انعدام رؤية رقمية واضحة لدى كثير من الدول الإفريقية، يواصل المغرب تعزيز جاذبيته في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، عبر استراتيجيات قطاعية مدروسة وحوافز استثمارية مغرية، ما جعله قبلة متصاعدة لرؤوس الأموال الباحثة عن بيئة مستقرة وتحولات اقتصادية رقمية.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن العالم عرف تراجعا عاما بنسبة 11 في المائة في الاستثمار الأجنبي المباشر، ليستقر عند 1.5 تريليون دولار خلال 2024. وبالرغم من تسجيل ارتفاع ظاهري بـ4%، فإن الأونكتاد اعتبرت هذه النسبة مضللة، إذ تعود لتدفقات مالية "عابرة" مرت عبر مراكز مالية أوروبية، دون أن تعكس استثمارات فعلية على الأرض.
وفي هذا السياق، شددت ريبيكا غرينسبان، الأمينة العامة للأونكتاد، على ضرورة توجيه الاستثمارات نحو التنمية المستدامة والشاملة، خصوصا في المجالات الرقمية والبيئية، مؤكدة أن الاستثمار لم يعد مجرد تدفق أموال، بل "اختيار حضاري يرسم ملامح المستقبل".
ويُسجل التقرير أيضا تحولات قانونية عالمية مهمة، من بينها تراجع آلية التحكيم بين المستثمرين والدول في نصف الاتفاقيات الحديثة، مع صعود نهج قائم على التعاون والتيسير بدل الحماية المطلقة، كما هو الحال في اتفاقيات حديثة بين الإمارات وتركيا، والاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا.
وفي ما يخص السلوك الاستثماري المسؤول، أشار التقرير إلى أن العديد من الاتفاقيات الجديدة باتت تتضمن إشارات - وإن غير ملزمة - إلى مكافحة الفساد واحترام البيئة وحقوق العمال. بعض الاتفاقيات بدأت بالفعل تلزم المستثمرين بمعايير صارمة في الشفافية والتنمية المجتمعية، وهي مقاربة تتقاطع مع التوجه المغربي لربط الاستثمار بأهداف التنمية المجالية.
ويختتم التقرير بنبرة حذرة، مشيرا إلى أن 2025 يطل وسط مؤشرات قاتمة على صعيد الاستثمار العالمي، مع انخفاض حاد في عدد المشاريع والصفقات بسبب التوترات الجيوسياسية واضطراب سلاسل التوريد. غير أن بعض المناطق، وعلى رأسها شمال إفريقيا، تبرز كـنقاط مضيئة في الخريطة الاستثمارية العالمية، بفضل إصلاحات مؤسساتية طموحة واستراتيجيات رقمية وطاقية مستقبلية.