الدار البيضاء.. كيف تحوّل رؤساء مقاطعات إلى "متسابقين" ؟

في مشهدٍ يُجسّد التناقض الصارخ بين الواقع المعيشي للمواطنين والعروض الدعائية لبعض المسؤولين، قررت إحدى الشركات الإعلامية ب الدار البيضاء مؤخرا إطلاق "جائزة التميز في الشأن المحلي"، التي ضمّت 16 رئيساً ورئيسة جماعة من أحزاب الأغلبية، الصورة الرسمية للمناسبة تظهر وجوهاً مبتسمة تتبادل التهاني، فيما تشي التفاصيل الصغيرة بحكاية أخرى ترويها الشوارع والأحياء التي يعيش فيها المواطنون، في العاصمة الاقتصادية للمملكة.

وما يُثير الاستغراب في هذه المبادرة هو تحويلها لمفهوم المساءلة والمحاسبة إلى فعالية أشبه بمسابقات الترفيه، حيث يُطلب من المواطنين التصويت لاختيار "أفضل" مسؤول محلي عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتصويت على مرشح دون الآخر، من مسؤولين حزبيين وأيضا مستشارين ومستشارات جماعيات في حساباتهم، وكأن إدارة الشأن العام تحوّلت إلى برنامج تلفزيوني يخضع لمزاج الجمهور، فهذه الآلية وحسب مراقبين للشأن المحلي، ب الدار البيضاء ، تتناسى عمداً أن تقييم أداء المسؤولين يجب أن يرتكز على معايير موضوعية من قبيل جودة الخدمات، الشفافية المالية، ومستوى انخراطهم في حل مشاكل المواطنين اليومية.

الناظر البيضاوي إلى الصورة في الدارالبيضاء ، يلاحظ بسهولة الفجوة بين الصورة المثالية التي يُريدون تسويقها والواقع المرير الذي يعيشه سكان الدارالبيضاء ، فبعض الوجوه الظاهرة في الصورة يقف خلفها تاريخ من المشاريع المتعثرة، والوعود المعطلة، والخدمات المتردية. كيف يمكن لمن لم يستطع تأمين أبسط شروط العيش الكريم لمواطنيه أن يطالب اليوم بتتويجه كـ"رئيس مميز" حسب المسابقة؟ أليست هذه سخرية بمشاعر الناس ومعاناتهم؟.

الأمر لا يتوقف عند حدود المزاجية في التقييم، بل يتعداه إلى محاولة واضحة لتحويل الانتباه عن ملفات شائكة تثقل كاهل العديد من هذه الجماعات، فبدلاً من مناقشة التقارير المالية، أو محاسبة المقصّرين في تسيير المال العام، أو تقييم مدى تحقيق الأهداف المعلنة، نجد أنفسنا أمام استعراض إعلامي يختزل كل هذه الأبعاد في تصويت إلكتروني لا يعكس شيئا من الحقيقة، فقط من أجل استثماره انتخابيا في صفحات فيسبوكية لا تسمن ولا تغني من جوع.

من جانبه، يُؤكّد يوسف الشاوي، منسّق لجنة الإعلام بفيدرالية اليسار الديمقراطي وعضو مكتبها السياسي، أنّ هذه «المسابقات» الإلكترونية ليست إلّا مجرد «ماكياج إعلامي» يلجأ إليه المسؤولون المحلّيون لتلميع صورتهم، على غرار مبادرات مماثلة على المستوى الجهوي والوطني والدولي.

ويضيف الشاوي أنّ الدعاية، بمعناها الأحادي الذي يُروّج لمعطيات منتقاة للتأثير على اختيارات الناس، تتكرّر كلّ بضعة أشهر قبل الاستحقاقات الانتخابية: دعواتٌ موسمية للتصويت على منتخبين محلّيين لم يُقدّموا شيئاً يُذكر للمواطنين، فيظهرون فقط قبيل الاقتراع، ثم يختفون. أما الدعوةُ الراهنةُ لمواطني الدار البيضاء لانتخاب مستشارين جماعيين أو مسؤولين حزبيين، فلا يمكن إلّا أن تُوصف بـ«الفضيحة.

ويلفت المتحدث إلى أن الدار البيضاء اليوم تختنق بالكوارث: هدم تعسفي يهَدد حقّ السكان في السكن، وأوضاع صحية مزرية أصبحت فيها المستشفيات أقربَ إلى قاعاتِ انتظار بائسة يتكدّس فيها المرضى دون أطباء ولا تجهيزات. يُضاف إلى ذلك مأساة التعليمِ حيث يَلتهم القطاعُ الخاص مواردَ المدرسةِ العموميةِ ويُحولها إلى بقايا هشة، في حين يتحمل الأهالي فواتيرَ باهظة مقابل حق أساسي من حقوق المواطنة. أما حركة السير فقد صارت عذاباً يومياً: ازدحام خانق، وفوضى في التدبير تهدر وقتَ الناس وأعصابهم.

ويذكر الشاوي بأن فيدرالية اليسار الديمقراطي ترافَعَت عن هذه القضايا على المستويين الحزبي والبرلماني، عبر أسئلة مُوجَّهة من طرف الرفيقة فاطمة التامني، غير أن المسؤول المحلي ظلّ عاجزاً وصامتاً إزاء هذه الانتهاكات. واليوم، بدل أن ينكبّ على حلّ أزمات الصحة، والتعليم، والنقل، يتلهّى بـ«استطلاعات» افتراضية تُذكر بمسابقات المغنّين في البرامج التلفزيونية، متوَهِّما أنّها سترسمُ له شعبيةً زائفة.

ويختم المتحدث: «على المسؤولين في  الدارالبيضاء أن يكونوا قريبين من المواطنين على مدار السنة، لا أن يطلّوا عليهم فجأةً وقت الانتخابات. فلو خصّصوا جهودهم لتحسين الخدمات الصحية، ووقف التغوّل الخاص على المدرسة العمومية، وفكّ أزمة النقل، لكان أجدر من هذا الاستعراض الذي لا طائل منه سوى مزيد من التضليل».


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.