صرح عبد العلي حامي الدين، القيادي بحزب العدالة والتنمية، إنه لا علاقة له “إطلاقا بواقعة مقتل المرحوم أيت الجيد بنعيسى، ولا علاقة له إطلاقا لا بالمكان ولا بزمان الأحداث التي أصيب فيه الطالب المرحوم”.
وأضاف حامي الدين، خلال تناوله الكلمة الأخيرة للمتهم، أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بفاس، في آخر جلسة من أطوار المحاكمة، أول أمس الثلاثاء، قائلا: “أنا مقتنع بأن هذا ابتلاء، ومقتنع بأنني أؤدي ضريبة مواقف أعرفها جيدا، وهذه ليست تحليلات وإنما لدي معلومات، وأنا أتحمل مسؤوليتي فيما عبرت عنه”، معتبرا أن “الزج بالقضاء في مثل هذه الأمور يؤثر في صورة العدالة في بلادنا”.
حامي الدين، الذي قضت في حقه غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بفاس، بالسجن النافذ ثلاث سنوات نافذة، مع أدائه غرامة مالية بقيمة 20 ألف درهم للحق المدني، في القضية المتعلقة بإعادة فتح ملف وفاة الطالب اليساري بنعيسى أيت الجيد سنة 1993، نفى التهم الموجهة إليه، مؤكدا أنه “لا علاقة له بهذا الملف لا من قريب ولا من بعيد، ولم يكن بمسرح الأحداث، ولم يساهم لا في اعتراض الطاكسي، ولا بما سمي بوضع الرجل”، ومعتبرا أن “هذه الواقعة الأخيرة تمت فبركتها وصناعتها وإنتاجها سنة 2016”.
وتعود القضية إلى سنة 1993، حين وفاة “بنعيسى أيت الجيد”، وهو طالب جامعي يساري، عقب مواجهات بين فصائل طلابية داخل جامعة مدينة فاس.
وبرأ القضاء آنذاك عبد العلي حامي الدين من تهمة القتل، واعتبر ما حدث “مساهمة في مشاجرة أدت إلى وفاة”.
وتقدمت عائلة الطالب، في يوليوز 2017، بشكوى جديدة أمام القضاء، أعاد قاضي التحقيق على إثرها فتح الملف، ليقرر محاكمة حامي الدين.
وفي ما يلي، نص الكلمة الأخيرة لعبد العلي حامي الدين
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
أريد أن أشكر هيئة المحكمة على سعة صدرها ونفسها الطويل خلال أطوار هذه المحاكمة الطويلة، وعلى قدرتها على الاستماع من أجل أن تكون الصورة واضحة لديها.
كما أود أن أتوجه بتحية خاصة إلى دفاعي برئاسة الأستاذ النقيب محمد الشهبي، والأستاذ عبد اللطيف الحاتمي والأستاذ عمر الحلوي الذي آزرني في هذه القاعة قبل ثلاثين سنة بالضبط،
وباقي أعضاء هيئة الدفاع كل باسمه الأساتذة محمد الباكير ومسعود الغالمي ومحمد قرفاد ورقية الرميد ولعشرات الأساتذة الذين لا يسعفني الوقت لذكر أسمائهم.
كما أريد أن أحمد الله سبحانه وتعالى أن جعلني صابرا محتسبا، وأن جعلني مؤمنا بقوله تعالى “قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا”، فهو الذي أعطاني السكينة والصبر والقدرة على تحمل الأذى الذي تعرضت له منذ أزيد من عشر سنوات..
سيدي الرئيس،
لقد تعرضت قبل أن أمثل أمامكم لحملة إعلامية منسقة ابتدأت منذ سنة 2012، لأسباب يعرفها من شن هذه الحملة ووظف لها الكثير من الأصوات منها للأسف من ينتسب إلى قطاع المحاماة.
أريد أيضا أن أترحم على الأستاذ الطيب لزرق، الذي كان ضمن هيئة الدفاع وآزرني منذ بداية المحاكمة، كما أترحم أيضا على الأستاذ بنجلون التويمي الذي رغم أنه كان خصما لي، ولكن أريد أن
نتوقف عند سنة الموت وحقيقة الموت كي نعتبر منها جميعا، وحتى لا يعتقد أحد أنه خالدا فيها.
أريد سيدي الرئيس بهذه المناسبة أن أتقدم ببعض التوضيحات:
لقد وقفت في هذه القاعة قبل 30 سنة ووجهت لي نفس الأسئلة التي وجهتموها لي، ولذلك أجبت بنفس الأجوبة التي أجبت بها سنة 1993، وذلك لأنني كنت ولا أزال مؤمن ببراءتي منذ ذلك اليوم..
ولذلك حينما توجهت إلى هيئة الإنصاف والمصالحة…
لقد توجهت لهذه الهيئة المحترمة التي عينها جلالة الملك بإلحاح من أحد أعضاء هذه الهيئة الذي كان يعرف حقيقة ما تعرضت له من ظلم سنة 1994.
السيد الرئيس المحترم،
يؤلمني أن أسمع داخل هذه المحكمة من دفاع المطالب بالحق المدني ومن ممثل النيابة العامة أنني شخص أسعى إلى الإفلات من العقاب، هل وصلنا إلى درجة أن نتهم مؤسسات بلادنا بالتستر على شخص لمدة ثلاثين سنة لضمان إفلاته من العقاب؟
ما هي الحصانة التي يدعي البعض أني أتوفر عليها وتجعلني منفلت من قبضة العدالة؟
إن مفهوم الإفلات من العقاب يستخدم في حق من ارتكبوا جرائم معينة ولديهم قوة عسكرية أو سياسية أو مؤسساتية تجعلهم يفرون من العدالة.
السيد الرئيس،
أنا شخص توبعت أمامكم وأنا برلماني، توبعت والحزب الذي أنتمي إليه يرأس الحكومة، توبعت والشخص الذي يدعى البعض انه تدخل لصالحي كان وزيرا للعدل وأصبح وزير دولة، ومع ذلك توبعت وامتثلت لجميع طلبات العدالة، فأين هو الافلات من العقاب؟
يؤلمني أن أسمع هذا وأصمت، ويؤلمني أكثر لأنني عشت تفاصيل هذه القضية وكنت أحد ضحاياها الذي قضى سنتين من زهرة شبابه في السجن واليوم يحاول البعض تزوير الحقائق وفبركة معطيات جديدة ولي أعناق النصوص القانونية بحثا عن رأس حامي الدين.
أنتم رجال القانون والقضاء وتعرفون جيدا كل المبادئ التي تم تجاوزها في هذا الملف وعلى رأسها مبدأ عدم جواز محاكمة شخص مرتين.
السيد الرئيس،
أنا أمثل أمام هيئتكم للمرة الثانية، لأحاكم في نفس القضية وأنا متيقن من براءتي التامة.
سيدي الرئيس،
لا يمكن لشخص تقدم ضدي بشكاية وهو معي في السجن سنة 1993، وتوبع معي في نفس الملف آنذاك كمتهم، وأدين مثلي بسنتين، أن يصبح شاهدا في حقي اليوم؟! أنا رجل متواضع في القانون أنا لست متضلعا مثلكم، أنا أستاذ العلوم السياسية والقانون العام، لكن لا يمكنني أن أتصور أنه من العدل الاعتماد على أقوال شخص تقدم بشكاية ضدي ولا يخفي عداءه الإيديولوجي لي وسبق أن صدر في حقنا جميعا حكم بالإدانة لمدة سنتين أن يصبح شاهدا وأن يصبح الدليل الوحيد الذي يتم الاعتماد على أقواله لمتابعتي؟
سيدي الرئيس،
أريد أن أقول بأن بلادنا حققت بالفعل تطورات في مجال حقوق الإنسان، لكن بالنسبة لي كشخص يحترم نفسه جيدا ويحترم بلده ووطنه ويقدر كل المؤسسات في هذا البلد وعلى رأسها جلالة الملك أمير المؤمنين.
لا يمكنني أن أعتبر بأن هذه المحاكمة مندرجة في جو جديد وإيجابي لحقوق الانسان، بل بالعكس هذه المحاكمة تمثل تراجعا في مجال الأمن القضائي واستقرار الأحكام القضائية.
السيد الرئيس،
دعوني أدافع عن نفسي لأنني شخص لا علاقة لي إطلاقا بواقعة مقتل المرحوم أيت الجيد، ولا علاقة لي إطلاقا لا بالمكان ولا بزمان الأحداث التي أصيب فيه المرحوم بنعيسى..
لقد أصبت في رأسي بحجرة طائشة (ذهب إلى هيئة المحكمة ليريها أثر الضربة) لأن أحد الأشخاص في هذه القاعة قال إنني أصبت في قدمي بواسطة الطوار..
(دفاع الطرف المدني يقاطع حامي الدين ويحتج عليه، ودفاع حامي الدين يطالب الرئيس بضمان حق حامي الدين في الكلمة الأخيرة، والرئيس يتدخل لتهدئة القاعة ويعيد الكلمة لحامي الدين).
أشكركم سيدي الرئيس مرة أخرى على سعة صدركم…
سيدي الرئيس،
هذه المحاكمة يتابعها الرأي العام ومن حقي أن أرد على العديد من المعطيات غير الدقيقة التي قبلت في هذه القاعة.
يريد البعض أن يقنعكم بأن العنف الجامعي ذهب ضحيته طالب واحد هو المرحوم بنعيسى، وهذا غير صحيح..
لقد سقط الكثير من الطلبة للأسف الشديد، قبل المرحوم بن عيسى أيت الجيد وبعده، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو أن هذا الخطاب الذي سمعناه اليوم، والذي يعيد إلينا خطاب الحرب الباردة، هو خطاب غير منتج وغير مفيد للأجيال القادمة، إذا كنا نريد بالفعل أن نقضي على ظاهرة العنف، إننا نعيد للأسف إنتاج العنف عن طريق خطاب الحقد والكراهية..
(يقاطعه دفاع الطرف المدني والرئيس يوجه حامي الدين للحديث في موضوع المتابعة).
سيدي الرئيس،
أنا مقتنع بأن هذا ابتلاء، ومقتنع بأنني أؤدي ضريبة مواقف أعرفها جيدا، وهذه ليست تحليلات وإنما لدي معلومات، وأنا أتحمل مسؤوليتي فيما عبرت عنه..
لكن، أن يتم الزج بالقضاء في مثل هذه الأمور فهذا ما يؤثر في صورة العدالة في بلادنا.
السيد الرئيس،
لقد سمعنا اليوم خطاب سياسيا وأيديولوجيا لاعلاقة له بالقانون ولا بالوقائع..
سيدي الرئيس،
أنا أدافع عن نفسي، وادافع أيضا عن الحقيقة وعن العدالة…
(يقاطعه الرئيس بقوله إن “العدالة مستقلة ولا تحتاج لمن يدافع عنها”).
سيدي الرئيس،
لقد توبعت سنة 1993 بجناية الضرب والجرح المفضي إلى الموت بدون نية، واليوم تم فتح تحقيق جديد بحجة وجود أدلة جديدة، رغم أن القانون لا يسمح بذلك إلا في حالة عدم المتابعة، والحال أني توبعت آنذاك من طرف السيد قاضي التحقيق بجناية.
أما ما يسمى بواقعة جديدة فهي مجرد اختلاق لما سمي بواقعة جديدة وهي وضع الرجل على العنق، وهذه فبركة حقيقية تمت سنة 2016 على لسان المدعو الخمار.
السيد الرئيس،
أريد أن أقول إنني حينما حملني الأستاذ العويني باستعطاف من مجموعة من الطلبة الحاضرين، حملني إلى المستشفى، وأجريت لي عملية جراحية سريعة، وبعدها بحوالي ساعة ونصف، جيء بالمرحوم أيت الجيد وهو في حالة صعبة، وبالحديوي الخمار الذي فر من المستشفى، وظل أمامي المرحوم بضع ساعات، ثم نقل إلى قاعة أخرى، ولم تصعد روحه إلا بعد بضعة أيام وبالضبط يوم فاتح مارس، وكانت هي المرة الأولى التي أتعرف عليه فيها والمرة الأخيرة أيضا، وكان يمكن أن ألقى أنا أيضا نفس المصير، ولكنها إرادة
سيدي رئيس المحكمة،
أؤكد لكم أنه لا علاقة لي بهذا الملف لا من قريب ولا من بعيد، ولم أكن بمسرح الأحداث، ولم أساهم لا في اعتراض الطاكسي، ولا بما سمي بوضع الرجل، هذه الواقعة التي تمت فبركتها وصناعتها وإنتاجها سنة 2016
السيد الرئيس،
مرت 18 سنة، من 1994 إلى سنة 2012، قبل أن يتم وضع الشكاية الأولى التي وجهت ضدي وذلك لاعتبارات لا علاقة لها بمعرفة الحقيقة التي نريد أن نعرفها في حق جميع الأحداث التي عرفتها الجامعة آخرها التي ذهب ضحيتها الطالب عبد الرحيم الحسناوي، ولذلك لابد أن يطرح الجميع السؤال: لماذا حامي الدين بالضبط؟ ومن يتاجر بملف أيت الجيد؟ ولماذا يراد أن يبقى هذا الملف مفتوحا؟ حيث نسمع من حين لآخر أن الأمر يتعلق ب25 آخرين، وهو ما يعني أن هذا الشاهد الذي يريد البعض أن يعطيه له الحصانة، أصبح يإمكانه في كل يوم أن يتذكر رأسا من الرؤوس التي يراد إسقاطها في هذا البلد…
السيد الرئيس،
أنا أؤكد وأتمسك بملكيات هيئة دفاعي، وأؤكد لكم براءتي التامة، ويمكنكم أن تصدروا في حقي حكما بالبراءة، رغم أن هذه المتابعة لا أساس قانوني لها.
مرة أخرى، أعتذر منكم سيدي الرئيس، هذه فقط بعض الإشارات وإلا كان يمكن قول شيء آخر دفاعا عن براءتي وعن العدالة وعن صورة العدالة…
شكرا لكم…
وكما بدأت بآية كريمة، سأختم ببعض الآيات أيضا.
قال تعالى: “رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ (15) يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ (16) ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ (17) وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ (18) يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ (19) وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ (20)”.
صدق الله العظيم، والحمد لله على نعمة الإيمان.