شكل فوز إيمانويل ماكرون بولاية الثانية على رأس جمهورية الفرنسية، في الانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي وتنافس فيها مع اليمينية مارين لوبان، فرصة أخرى للتساؤل عن العلاقات المغربية الفرنسية التي مرت بفترة برود و صمت مطبق منذ أشهر طويلة .
وعلى الرغم من أن فرنسا تمثل الزبون الثاني للمغرب وواحدة من أبرز حلفائه التقليدين، إلا أن العلاقات المغربية الفرنسية شهدت خلال العامين الأخرين، أزمة فتور على مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كانت أولى أسبابها قضية التجسس (بيغاسوس) وتشديد باريس لشروط منح التأشيرات للمواطنين المغاربة .
محللون سياسيون يرجحون عودة العلاقات المغربية الفرنسية بشكل قوي بعد فوز إيمانويل ماكرون بالإنتخابات الرئاسية ويؤكدون على أن استمرارية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرتبطة بالتغيير الذي شهدته السياسة الخارجية المغربية في سنوات الاخيرة .
العلاقات المغربية الفرنسية علاقات قوية ، وليست خيارا للرئيس الفرنسي ماكرون، أو رئيس فرنسي آخر
يرى محمد عصام لعروسي، أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية أن إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا على فرنسا، بشكل عام لن يغير من طبيعة العلاقة بين المغرب وفرنسا .
وقال العروسي في تصريح "لبلبريس" أن العلاقة بين المغرب وفرنسا ستعرف الثبات والاستمرارية على كافة المستويات ، كما أنه من المرجح أن تعرف هذه المرحلة تصحيح بعد المسارات و المساقات التي عرفت بعض التداخل وبعض التشويش والاهتزازات في العلاقة بين المغرب وفرنسا في العديد من الملفات، خاصة فيما يتعلق ملف الهجرة الذي شكل محور توتر الازمة بعد إعلان فرنسا عن تشديد شروط منح التأشيرات ، وانخفاض التعاون الأمني .
وتابع المحلل السياسي، قائلا : "أنه رغم تسجيل فرنسا التقارب مع الحزائر أحيانا، وعدم وجود رؤية واضحة في إطار دعم المغرب والجزائر، إلى أن فرنسا ظلت ثابثة في موقفها من قضية الصحراء المغربية خاصة وأنها من الدول التي سبق وقدمت دعمها منذ 2007 لمبادرة الحكم الذاتي."
وبالتالي فالموقف الفرنسي على هذا المستوى لن يتغير وستظل فرنسا تؤمن بفاعلية هذه المبادرة الوحيدة الموجودة، معتبرة إيها الخيار الأساسي لحل قضية الصحراء المغربية، مضيفا أن هذا الخيار هو خيار لدولة الفرنسية العميقة التي تؤمن بوجود علاقات قوية مع المغرب على المستوى الاستراتيجي والأمني والعسكري والسياسي وأيضا الاقتصادي وليس خيار لرئيس الفرنسي ماكرون، أو رئيس فرنسي آخر.
وأضاف محمد عصام، أن الحديث عن العلاقات المغربية الفرنسية، يعتمد على النهج الجديد للمغرب والمختلف في المرحلة الأخيرة، حيث أصبح التلويح بالاعتماد على فرنسا في الخطاب السياسي الغير المعلن من خلال مجموعة من القرارات الإدارية ومن خلال أيضا محاولة الاعتماد على حلفاء أساسين على مستوى الشراكات الأمنية والعسكرية والسياسية الوازنة، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل مما قلل من حظوظ تثمين العلاقات مع فرنسا التي بطبيعة الحال مازالت تتعامل في بعض الأحيان من منطلق المستعمر القديم.
وبالتالي فهذه الذهنية أصبحت متغيرة وأصبح المغرب يلجأ إلى تمثين علاقاته مع محاور أخرى يستفيد منها من ناحية السياسة الخارجية ومن الناحية الاقتصادية وأيضا خارج المغرب من سياق الفرنكوفونية ويتجه نحو نماذج جديدة ناجحة تنمويا ولغويا وثقافيا، وبذلك قلل الإعتماد على اللغة الفرنسية واقتراح في العديد القطاعات الحيوية الاعتماد على اللغة الانجلزية.
أما بخصوص الهجرة وتأثيرها على الشراكة الفرنسية المغربية، فقد أكد العروسي ، أن المغرب كان واضحا في موقفه من تقليص التأشيرات الفرنسية للمغاربة وخاصة للدول المغاربية، وكان هذا الموقف أيضا من المواقف التي سجلتها السياسة الخارجية المغربية على أساس تغيير هذا الموقف الفرنسي من الهجرة.
وأشار المحلل، إلى أن هذه الخطوة كانت لدوافع انتخابوية محظة، و الآن ماكرون بعد انتخابه رئيس لفرنسا للمرة الثانية من المتوقع أن ترجع الأمور على ما كانت عليه على اعتبار أنه حاول أن يستقطب أيضا أصوات اليمين المتطرف أو اليمين الوسط التي تؤمن بفرنسا المحافظة فرنسا الغير المنفتحة على الهجرة بشكل كبير.
وتابع المتحدث، أتوقع أن تستمر العلاقات بشكل جيد وعقلاني ، خاصة أن ماكرون يؤمن أن قوة فرنسا من داخل الاتحاد الأوربي، وهذا ما يؤكد أن العلاقات الفرنسية المغربية ستتميز بكثير من العقلانية وبالكثير من التبادل المنافع وأيضا بتأكيد دعم مبادرة الحكم الذاتي والتي تعتبر القضية المحورية في الدبلوماسية المغربية.
فرنسا والمغرب حليفان عسكريان تجمعهما علاقات قوية ....والمسار الجديد لن يؤثر
وقال سعيد الصديقي، المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية المغربي، أن المسار العام للعلاقات المغربية الفرنسية لن يعرف أي تغيير ، وسيبقى دائما في مستوى متقدم على الرغم من أنها تشهد بعض الأحيان بعض المشاكل العابرة التي يتم احتواءها، وذلك راجع لكون المغرب وفرنسا حافظا على الإطار العام لهذه العلاقات منذ الإستقلال إلى الآن.
وأكد الصديقي أن الإطار العام للعلاقة بين المغرب وفرنسا، هو إطار لحلفين اقتصاديين عسكريين تجمعهما علاقات ثقافية كبيرة، قد تتأثر هذه العلاقات لكن ليس بشكل كبير في بعض العوامل سواء المرتبطة بالتحولات العالمية أو على المستوى الإقليمي.
وبالتالي نحن على معرفة بأن فرنسا تشهد تحديا كبيرا فيما يتعلق بتراجع نفوذها في منظقة شمال افريقيا وعموما وأيضا غرب إفريقيا.
وأشار المحلل السياسي، إلى طموح المغرب لتعزيز حضوره في الفضاء الإقليمي، وتعزيز شركائه الاستراتيجيين لذلك قد تؤثر هذه العوامل على العلاقات المغربية الفرنسية لكن هذا التأثير لن يمس جوهر هذه العلاقات وستظل في مسارها العام .
إنتخابات فرنسا تخلق المفأجأة ....
قال أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد النبي صبري، أنه و منذ قرابة عقدين من الزمن شهدت فرنسا، إعادة إنتخاب رؤساءها لمرتين متتاليتين، حيث تم إعادة انتخاب رئيس فرنسا الحالي ايمانويل ماكرون و فرنسوا هولاند، و نيكولا سركوزي في سابق.
وأضاف صبري ، في تصريحه "لبلريس"، أن إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لم تكن بالأمر اليسير، فالمرتبة الثانية كانت لمارين لوبان والثالثة جان لوك ميلينشونو، وهذا ما يعني أنه لو أحتل ميلينشونو المرتبة الثانية لحزب فرنسا الأبية، لكان ماكرون في خبر كان.
ولكن عندما تأهل لدور الثاني، دعا جان لوك ميلينشونو مرشحيه وأنصاره إلى تصويت لفائدة ماكرون للحفاظ على الأحزاب الفرنسية ذات التوجه الدائم نحو استقرار فرنسا، لأن صعود لوبان عن الحزب المتطرف قد يؤدي إلى بعثرة أوراق فرنسا، والفرنسين والمهاجرين.
كما أن هناك لاعب أساسي في هذه الانتخابات ممثلا في الجالية المسلمة بفرنسا ، ولذلك لاحطنا أن زعيم حزب فرنسا الأبية عندما قام بدغدغة مشاعر وعواطف الجالية المسلمة وصوتت عليه بكثافة.
وبالتالي ففي الدوري الثاني لاحظنا أن حدة الكلام انخفضت، فيما يخص ماري لوبان فقد حاولت أن تنزع عن نفسها صفة التطرف والمسائل المرتبطة بالقومية وقامت بتغير مواقفها لعلها تحصل على بعض النتائج وعلى دغدغة عواطف الأطراف الأخرى.
وأضاف المحلل السياسي قائلا : "لاحظنا أن رئيس الفرنسي كذلك حاول إثارة أنه سيشتغل لفائدة الجميع بما فيهم جميع المواطنين، وسيكون رئيسا الفرنسين" .
وأكد عبد النبي صبري، على أنه من بين النتائج التي كانت تثير علامات الاستفهام هو النجاح الكبير الذي عرفه اليمنن المتطرف لأن حصده لهذه النتائج وبهذه السرعة ومنذ عقد من الزمن، يفرض طرح هذا السؤال على الأروبيين ،و على الفرنسين، و على الحكومة الفرنسية ، وعلى النخبة التقليدية الفرنسية التي حكمت فرنسا، وساهمت نتيجة سياساتها ، تصرفاتها ، وتحالفاتها في مثل هذه التصريحات التي تخص الجالية والمهاجرين داخل فرنسا ، خاصة أن هذه الهجرة أصبحت تقوم بدور أساسي على مستوى تقديم الخدمات الأوربيين .
وتابع المتحدث ، قائلا : "يمكننا قراءة هذا الموضوع من هذه الزاوية، و السياسيون الفرنسيون والرئيس الفرنسي، هم في وضعية صعبة للغاية، نفحن على أبواب انتخابات تشريعية فلا هو سيحصل على الأغلبية ولا ماري لوبان ستحصل على الأغلبية ، ولكن حزب فرنسا الأبية قد يخلق المفاجأة ".
أما فيما يتعلق بتأثير العلاقات المغربية الفرنسية، بانتخاب إيمانويل ماكرون على رأس جمهورية فرنسا، أكد صبري أن السياسة الخارجية الفرنسية أو غيرها تطبعها عنصر الاستمرارية، وهذه الاستمرارية مرتبطة بالتغيير، فهل سنشهد التغيير في ظل الاستمرارية أم سنشهد إستمرارية؟.
وأشار المحلل السياسي،إلى أن علاقة فرنسا مع المغرب ،هي علاقات تاريخية لكن بين الفينة والأخرى تقع بعض الأمور، خاصة أنه في الخطاب الملكي لذكرى 20 غشت الماضي توجه جلالة الملك بخطاب صريح ومنذ البداية حيث أكد على أن دبلوماسية الوضوح مع شركاء التقليدين ، مما يوضح أن فرنسا شريك تقليدي .
وتابع قائلا : " لاحظنا أن فرنسا أزعجها أن المغرب حين نوع شركائه خارج الشركاء التقليدين وهو ما جعلها تتفاجأ بالموقف المغربي من هذا القرار، تم إن الخطاب رفع السقف عندما تحدث الملك عن أصحاب المواقف الرمادية والمواقف المزدوجة بأن وحدتنا الترابية لا تخضع للمساومة، تم أيضا عندما أكد الملك في هذا الخطاب ان المملكة المغربية لن تربط أي
اتفاق في المستقبل مع أي بلد لا يحترم سيادة ترابه."
فاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالوحدة الترابية،و التحول الذي وقع على مستوى ألمانيا واسبانيا، يفرض على فرنسا، اليوم أن تخرج بموقف صريح وواضح من احترام سيادة المغرب على ترابه، لأن هذه الأمور لن تخضع للابتزاز وللمساومة كما كان يفعل بعض السياسيين الفرنسين في ما مضى.
فالسياسة الخارجية المغربية مع فرنسا أو غيرها يطبعها الواقعية وروح التعاون، لأن المغرب ينهج في علاقاته الخارجية السلوك العلاقات التعاونية وينأى عن العلاقات التصارعية، ومن يريد الدخول في شركات متعددة رابح رابح فالباب مفتوح ومن يريد مواقف غامضة ورجل هنا ورجل هناك، أي سياسات المواقف الغامضة فموقف المغرب واضح.
وأضاف عبد النبي صبري، أن المغرب أصبح بلدا مستقرا في محيط مضطرب ،هذا الاستقرار الذي ينعم به المغرب يجعل فرنسا والدول الأخرى تأخذ بعين الاعتبار هذا الامر وتقوم بجعله في حسبانها.
وخلص صبري، في حديثه إلى أن الأمور لن تكون بنفس طريقة الاستمرارية في المواقف التي كانت في الماضي بل ستكون الاستمرارية وسيقع تغيير في ظلها والتغيير سيكون لصالح المغرب مع شركاء أوربيين آخرين ومع تنويع الشراكات التي قام بها المغرب، والمواقف التي يتخدها من بعض المشاكل والنزاعات الدولية ما سيفرض على فرنسا بأن تأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار.