أثار بلاغ المكتب السياسي لحزب التقدم والإشتراكية الكثير من الجدل داخل المشهد السياسي المغربي، كاشفا في نفس الوقت عن الهشاشة واللاتماسك داخل التحالف الحكومي ، لاسيما مع اقتراب الكشف عن أسماء الكفاءات التي ستؤتث لحكومة العثماني في نسختها الجديدة.
وعلل رفاق بنعبد الله قرار الانسحاب من الإئتلاف الحكومي بـ"الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا".

وعن هذا الخروج من التحالف الحكومي يقول الباحث في العلوم السياسية، كريم عايش، أن : "اعلان حزب التقدم والاشتراكية خروجه من الحكومة في خطوة جريئة سياسيا لم يكن بالرغم من النهج السياسي للحزب مؤخرا مفاجئا، فالحزب وبالرغم من عدد نوابه الضئيل الا انه مقارنة مع تاريخه الطويل والمتقلب لا يشكل قوة ضاغطة على الحكومة حتى تفرض رغباتها وتوجهاتها، ونستحضر هنا التحالف الهجين والذي اسسه الامينان العامان للحزب سابقا في شخصي بنكيران وبنعبد الله وكان حينذاك يقدم حزبا تقدميا حداثيا قربانا لحزب إسلامي محافظ على مذبح الاستوزار وتقاسم الحقائب".
ويضيف عايش لـ"بلبريس" أن "الحزب عرف انشقاقات عديدة وحركة تصحيحية دفعت بقيادته لردهات المحاكم وصارت فئة قليلة تحتكر تسيير الحزب وتوجيه اطره المحظوظة نحو المناصب والحقائب الوزارية ودواوين الوزارات مع العمل على خلق تجربة ما يسمى بحكومة الشباب والتي أرادوا لها تنظيما موازيا للشبيبة وسبيلا اخر قد يسهل استوزار كاتبها العام وأعضاء المكتب التنفيذي للشبيبة".
وهي خطط سياسية اصطدمت بمجموعة عناصر حسب تحليل عايش أهمها "ابتعاد الحزب عن ارضيته السياسية وتبنيه برنامج حزب العدالة والتنمية دون التمكن من توجيه قطاعاته نحو التقدمية والحداثة كما ينادي به الحزب" وكذلك "استفراد قيادة الحزب بالمفاوضات المباشرة وتموقع أعضاء الحزب البارزين في مراكز القرار بدعم من السيد الأمين العام دون ما حاجة للتدرج النضالي او الكفاءة السياسية والتدبيرية"وهو ما نتج عنه "تلقي الحزب تبعات الغضبة الملكية على وزراء بعينهم في قطاعات حساسة واستمرار تدبير نفس القطاعات التي عرفت غضبة ملكية" .
ويرى عضو مركز الرباط للدراسات الاستراتيجية أن عدم تحلي الأمين العام، بـ"الشجاعة والحرفية بتقديم استقالته بعد فقدانه ثقة ملك البلاد وفق بلاغ القصر الملكي بعد اعفاءه بصفته وزير السكنى وسياسة المدين واستمرار سعيه لشغل الساحة السياسية المغربية عبر دفاعه عن قطاعات أثيرت حولها تقارير عديدة واحتمال وجود شبهات فساد في عهد حكومة بنكيران ضعف مردودية الحزب وكذلك تخبط القطاعات التي يمسكها حزبه داخل الحكومة الحالية والحرب التي عرفها وزير الصحة".
ورغم أن رئيس الحكومة سبق له وأن نفى تصدع الأغلبية الحكومية وهشاشة تماسكها إلا أن عايش يعتبر أنه من بين أسباب نزول الرفاق من سفينة الإخوان كان وراءه "أطماع حزب الاحرار في قطاعات يمسكها الحزب وتجنبه للمواجهة داخل الأغلبية الحكومية بعد غياب قيمة مضافة فعلية للحزب للحكومة والتحالف الحزبي بالإضافة إلى بروز بوادر خلافات بين مكونات الحزب ومكونات حزب العدالة والتنمية وحزب الاحرار فيما يخص الاستقطاب والحرب الالكترونية داخل مواقع التواصل الاجتماعي".
"هذه عناصر كانت كفيلة بدفع الحزب الى اعلان الانسحاب من الحكومة استباقا ربما لتنحية أسماء بعينها من اللائحة الوزارية وتقليص تمثيلية الحزب بسبب السعي الى تقليص عدد الوزراء وما سيدفع الى تقليص الحقائب وفق التمثيلية النسبية داخل الأغلبية بالمقارنة بعدد مقاعد كل حزب بالبرلمان" وفقا للباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط .
وخلص عايش إلى أن قرار المكتب السياسي لـ"الكتاب" "بمثابة رسالة انتحار سياسي للحزب لأنه لا يعكس أي موقف جاد و لا ينسجم مع تاريخ الحزب ومواقف قادته السابقين اذ تحول الى مضمار سباق نحو المناصب و المكاتب اعتمد ازدواجية خطاب...فتارة ينتقد عمل قطاعات حكومية، و تارة أخرى يدافع عن حصيلة باهتة لقطاعاته في الحكومة وصار باديا ان صراع الكراسي داخلها هو ما يقلبها ويحركها بدل ات تحركها توجهات صاحب الجلالة و تنبيهاته المتكررة في اكثر من خطاب".