’’ بين كل الاختراعات للتواصل الجماهيري، تظل الصور هي اللغة الأكثر فهما في العالم’’
’’ والت ديزني’’
لم تكن الحكومة الحالية أفضل حالا من سابقاتها على مستوى التواصل السياسي مع الجمهور بشكل عام ومع المواطنين الذين منحوها أصواتهم في انتخابات 2021.
رغم أننا كتبنا هنا غير مرة عن معضلة التواصل هاته التي لا تخطئها عين المراقب، غير أن الاعتراف هذه المرة جاء من داخل الحكومة نفسها، وعلى لسان وزير الاتصال محمد المهدي بنسعيد، الذي قال في اجتماع الأغلبية الثلاثاء22 أكتوبر، إن هناك ازمة تواصل حكومية علينا الاشتغال عليها، مشيرا إلى أن الجميع ضمن مكونات الأغلبية تحدث عن هذه الأزمة المرتبطة بالتواصل في سياق منجزات الحكومة.
وبالعودة إلى 3 سنوات من عمر الحكومة فقد عرفت هزات تواصلية كبيرة تسببت في تصدعات داخل الائتلاف الحكومي وبين الفاعل السياسي والجمهور.
ويزداد الضغط في زمن الذكاء الاصطناعي، والثورة الرقمية المرتبطة بصناعة المحتوى واقتصاد إثارة الانتباه، الذي تتنافس عليه كبريات شركات التكنولوجيا في العالم.
إذ يصبح التحدي أمام أي مؤسسة أو شخصية عمومية، كيفما كانت هو كيفية شذ انتباه المتلقي في ظل المنافسة الشرسة على جمهور الشبكات ومنصات الاخبار ، من خلال وضع استراتيجية للتواصل الرقمي تعتمد التعامل مع البيانات الضخمة والفهم العميق لسلوك الجمهور على هذه المنصات.
وسط هذه التحولات المتسارعة تحتاج الحكومة أن تعي جيدا متى تخاطب الجمهور، ومتى تصمت، فالتوقيت مهم جدا في الخطاب التواصلي، كما عليها أن تختار الآلية المناسبة واللغة المناسبة، كذلك إذ لا يعقل استخدام اللغة الفرنسية مثلا في منطقة نائية عندما يتعلق الأمر بالتواصل الميداني مع المواطنين في إطار تدشين ما.
إن الجيل زد Z الذي يمثل مواليد 2000 وما بعدها جيل مختلف تماما، والتواصل معه ينبغي أن يكون هو الآخر مختلف وبقنوات اتصال يجيد هذا الجيل استخدامها والتعامل معها، وضمنها الذكاء الاصطناعي التوليدي والشبكات الاجتماعية التي لا يستخدمها هذا الجيل كله بالضرورة، وغيرها من وسائل التواصل الحديثة الأخرى.
لم تعد التلفزة هي الوسيلة المثلى للتواصل، ولا حتى البلاغات، كما أن التواصل مع أهل القرى مثلا لا ينبغي أن يكون بلغة غير مفهومة.
لقد تعثرت الحكومة كثيرا في عملية التواصل مع الجمهور وحين الازمات الكبرى، وآثرت الصمت غير مرة، والصمت يفتح أبوابا كثيرة للتأويل وصناعة الكذب الذي قد يمتد إلى التضليل في زمن أصبحت فيه المعلومات تسافر العالم بنقرة زر واحدة.
قامت الحكومة قبل أشهر بنشر كبسولات من دقيقة واحدة لحديث الوزراء عن إنجازاتهم، وهي كبسولات تأخرت 3 سنوات، وجاءت للحديث عن المنجزات فقط ولم تركز على العوائق والحلول المقترحة لتجاوزها.
الإنجازات هي ما أشار إليه الوزير بنسعيد في سياق كلامه عن ازمة التواصل باجتماع الأغلبية بالرباط، والحديث عن المنجزات من حق الحكومة، لكنه جزء فقط من عملية التواصل الشاملة التي تقتضي قول الحقيقة للمواطن، كل الحقيقة، والمواطن ينتظر محتوى آخر من التواصل الحكومي الرقمي أكثر تفصيلا، لذلك كان التفاعل مع هذه الكبسولات المرئية ضعيفا.
المواطن يحتاج من الحكومة أن تتواصل معه حين الازمة، لا أن تتحدث عن إنجازات او أعمال هي في الأصل واجبها التعاقدي مع المواطن الذي له الحق في التعليم والصحة والشغل.
فالحكومات من واجبها أن تنجز، وأن تتدخل وأن تدبر الشأن العام، وان تتواصل في كل وقت وحين وخاصة حين يريد المواطن سماعها في وقت الأزمة.
وقد مر المغاربة بأزمات شتى غاب فيها التواصل السياسي والحكومي، الزلزال، عيد الأضحى، ارتفاع الأسعار، تعثر برنامج فرصة في بعض المناطق، وغيرها من القضايا التي تقتضي تدخلا سريعا وعاجلا، لأن الصمت في الأزمات يؤدي إلى مزيد من سوء الفهم بين الحكومة والمواطنين.
إن تأخر الحكومة في تقديم كبسولاتها عن الإنجازات، وغياب كبسولات عن الحلول المقترحة لأزمات مثل الصحة والتعليم العمومي والتشغيل، يطرح الكثير من الأسئلة.
لماذا لم تنتبه الأغلبية للقصور في التواصل خلال مئة يوم الأولى او العام الاول؟
وبما أن المناسبة شرط، فإن الحكومة بنسختها المعدلة التي حملت وجوها جديدة إلى الشأن العام المغربي اليوم الأربعاء، على بعد أقل من سنتين على الاستحقاقات المقبلة، مطالبة بتعزيز التواصل الشفاف مع المواطنين عبر قنوات ذات مصداقية، وهي مطالبة كذلك بوضع المواطنين في صلب اهتمامها وتجاوز التواصل المناسباتي الذي يزداد منسوبه وينقص بحسب الظرفية السياسية، حيث يرتفع في وقت الحملات الانتخابية ويتراجع شيئا فشيئا قبل أن يختفي كليا.
أمام السياسيين فرصة كبيرة في ظل التطور التكنولوجي ووجود كفاءات مغربية مؤهلة ليس لهم بالضرورة ولاء سياسي أو حزبي ضيق لهيئة ما، حتى يسمع صوتهم، بل ولاؤهم الكامل للوطن الذي ينتظر الكثير من مدبري الشأن العام، خاصة ونحن نعبر من مرحلة مفصلية في محيط دولي وإقليمي متقلب يتطلب يقظة الجميع.