بوليساريو" على شفا الانهيار.. صراعات داخلية وتدخلات قبلية تُهدد مستقبل الحركة

تعقد الأمانة العامة لـ “بوليساريو” أربعة اجتماعات خلال السنة، محددة وفق رزنامة عشوائية تتحكم فيها عوامل المناخ الداخلي في الحركة.

ولكن، قبل كل اجتماع، لابد أن يلتئم ما يسمى المكتب الدائم للأمانة الوطنية، المكون من تسعة قياديين، عاشرهم زعيم الحركة، لكي يضع أرضية النقاش والخطوط العريضة للملفات التي ستتداولها أمانة الحركة، والتي دائما ما تتصدرها مسألة التعيينات في المناصب ذات الطابع المالي، إذ تستأثر بالأولوية في نقاشات زعماء الحركة، بل إنها، في العديد من الأحيان، تثير احتقانا ومشادات كلامية تنتهي عادة بالعراك، وحتى التجييش القبلي، وهو ما حدث، هذه المرة، بشكل مبكر تقريبا، بعدما قام رئيس حكومة لحمادة، حمودي بشرايا بيون، بتعيينات لمقربيه قبيل اجتماع مكتب الأمانة لكي يضع تزكية هذه التعينات محورا للنقاش ويمررها باعتبارها أمرا واقعا، لأن الأشخاص المعينين تسلموا فعلا مناصبهم وسيصبح من الصعب استبدالهم بسرعة، حسبما تقول صحيفة الصباح.

لكن هذه الخدعة، يضيف المصدر، لم تنطل على مسؤول التنظيم السياسي، الذي بادر برفض المشاركة في اجتماع مكتب الأمانة واشترط إلغاء الحركيات لحضور الاجتماع، وسانده في هذا الطرح البشير مصطفى السيد، الباحث عن أي معارضة لخصمه إبراهيم غالي، وخطري أدوه، وهو ما شكل فارقا مهما، لأن غياب ثلاثة أعضاء قياديين، من أصل تسعة، عن اجتماع مكتب الأمانة سيفقده الأغلبية المطلوبة لاتخاذ أي قرار.

وبالموازاة مع ذلك، قاد مسؤول أمانة التنظيم السياسي، مربيه الداي المامي، حملة شرسة ضد بشرايا بيون، لدى ضباط الأمن العسكري بقطاع تندوف، متهما إياه بمحاولة تشكيل تنظيم مواز داخل الجبهة، من خلال زرع موالين له غير حاصلين على تزكية مكتب قائد المنطقة الثالثة ببشار، ولا يمتلكون المؤهلات الكافية لتنزيل مخططات المرادية الخاصة بنزاع الصحراء، ما من شأنه أن يفاقم الوضع الأمني داخل مخيمات يشكل فيها المكون القبلي الذي ينتمي إليه بيون أقلية غير مؤثرة لا تمكنه من إنزال أجندته واستغلال منصبه.

ودرءا لانفراط عقد “بوليساريو”، تم استدعاء بيون والماني الداي لقيادة قطاع تندوف، حيث أبلغا بعدم رضى شنقريحة على ما آلت إليه الأوضاع داخل قيادة “بوليساريو”، وعادوا صاغرين إلى الرابوني ونفذوا أمر المسؤول العسكري الجزائري بعقد اجتماع المكتب الدائم لأمانة “بوليساريو”، بعد تأجيله لأكثر من ثلاث مرات، من أجل فتح المجال لاجتماع الأمانة الوطنية كما ينص على ذلك نظام “بوليساريو” الداخلي.

واعتبرت الصحيفة ذاتها، أن القوانين في غابة تندوف مجرد حبر على ورق، ولا يوجد ما يلزم إبراهيم غالي، أو غيره من القيادات، بتنفيذ تلك الخزعبلات، لكن الوضع الداخلي في المخيمات لا يسمح بمزيد من الهزات في صفوف الجبهة، فإبراهيم غالي نفسه فاقد للشرعية ويعيش، منذ سنة تقريبا، مختفيا، لا يظهر إلا في المناسبات، كما تعج مواقع التواصل الاجتماعي بحملات سبه ونعته بأوصاف حاطة من كرامته المفقودة، بعد أن حول المخيمات إلى مرتع للجماعات الإجرامية، وظهر ضعفه جليا من خلال خضوعه للإملاءات القبلية ووقوفه ذليلا أمام الإملاءات الجزائرية التي أحرقته داخليا وحولته إلى شخص منبوذ غير مرحب به من قبل سكان تندوف، ما جعله مرغما على قبول الابتزازات التي يتعرض لها من قبل القيادات التي وجدت في ضعفه فرصة سانحة لزرع مقربيها في مفاصل الحركة.

صحيح أيضا أن الاجتماع عقد بعد شد وجذب، كاد أن يزج بـ “بوليساريو” في صراع قبلي شبيه بما حدث في 1988، غير أن هذا الخلاف الداخلي يعطي لمحة عن المستوى السحيق، الذي وصلت إليه قيادات “بوليساريو”، التي تثبت، يوما بعد آخر، أنها عبارة عن عصابة من المجرمين والجهلة، الذين لا يمكن أن يكونوا شركاء في أي عملية سياسية مهما كان شكلها.