أنهت لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، اليوم الاثنين، مرحلة حاسمة من المسار التشريعي لمشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، بعدما صادقت عليه بالأغلبية، بستة أصوات مقابل خمسة، في تصويت عكس عمق التباين السياسي حول النص.
وخلال التداول التفصيلي في مضامين المشروع، تمسكت الحكومة، عبر وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، بالصيغة الأصلية للنص، وأسقطت جميع التعديلات المقترحة من طرف الفرق والمجموعات البرلمانية، والبالغ عددها 139 تعديل، في الوقت الذي بادرت فيه مكونات المعارضة وفريق الاتحاد العام للشغالين بالمغرب إلى تقديم مقترحات تعديل، فضلت فرق الأغلبية وفريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب الاصطفاف خلف النص الحكومي دون اقتراح أي تغيير.
وفي ما يخص المقترحات ذات الطابع الشكلي والمؤسساتي، استبعدت الحكومة إدراج ديباجة لمشروع القانون، حيث أوضح الوزير أن الأعراف المعتمدة في الصياغة التشريعية تحصر الديباجة في النصوص المؤسسة لأول مرة، معتبرا أن المرجعية الدستورية والحقوقية المؤطرة للمجلس محددة سلفا في النص الأصلي ولا تحتاج إلى إعادة التنصيص.
وعلى مستوى تركيبة المجلس ونمط اختيار أعضائه، رفض بنسعيد مقترح الرفع من عدد الأعضاء إلى 23، وأبقى على الاقتراع الفردي المباشر بالنسبة للصحافيين، مبرزا أن هذا الخيار يرسخ مبدأ الاختيار الحر ويعزز مساءلة المرشحين أمام هيئاتهم الناخبة، بعيدا عن منطق اللوائح والتنظيمات.
وبخصوص تمثيلية فئة الناشرين، دافعت الحكومة عن الإبقاء على نظام الانتداب، معتبرة إياه الأنسب لطبيعة هذه الفئة التي لا تنتظم في هيئة مهنية للأشخاص الذاتيين، حيث شدد الوزير على أن هذا النظام يضمن حضورا متوازنا داخل المجلس، ويراعي الحجم الاقتصادي والإداري لكل مقاولة صحفية.
وفي الشق المتعلق بالالتزامات المالية، رفضت الحكومة مقترح فرض اشتراك سنوي إجباري على الصحافيين المهنيين، على غرار الناشرين، مبررة ذلك بالهشاشة الاجتماعية والمادية التي يعاني منها عدد كبير من العاملين في القطاع، والتي لا تسمح بإثقال كاهلهم بأعباء إضافية.
في المقابل، عبّرت المعارضة بمجلس المستشارين عن موقف رافض للصيغة الحكومية لمشروع القانون رقم 54.23، ووصفتها بتراجع مقلق عن فلسفة التنظيم الذاتي للمهنة، منتقدة أسلوب تمرير النص في آجال زمنية ضيقة وبمنهجية اعتبرتها متسرعة وتفتقر إلى المقاربة التشاركية، ومحذرة من اختزال دور المجلس في وظيفة إدارية للضبط والتأديب بدل الدفاع عن حرية الصحافة.
وعلى النقيض من ذلك، تبنت فرق الأغلبية قراءة إيجابية للمشروع، معتبرة أنه يشكل مدخلا أساسيا لتحديث المنظومة الإعلامية الوطنية وتعزيز حكامتها، وأنه يندرج ضمن إصلاح هيكلي يروم تقوية المقاولات الصحفية وضمان استدامتها.
ومن جانبه، شدد وزير الشباب والثقافة والتواصل على أن الحكومة تتعامل مع ورش إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة باعتباره أولوية استراتيجية، مؤكدا أن الهدف يتمثل في تقوية مؤسسة دستورية مستقلة وتجاوز الاختلالات القانونية التي أفرزها التطبيق منذ سنة 2018، ومبرزا أن متانة المجلس تقاس باستمراريته واستقلاليته، لا بالأشخاص الذين يتولون تسييره.