ينطلق دومينيك دو فيلبان في كتابه المعنون “Le pouvoir de dire Non” القدرة على قول “لا” الصادر عن دار النشر “Flammarion” بتاريخ 25 يونيو 2025، والمتكون من 180 صفحة من فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في جوهرها وهي قدرة الانسان والمؤسسات في قوة كلمة “لا”.
هذه الكلمة القصيرة ليست مجرّد رفض، بل هي إعلان عن الحرية، وتأكيد على حق كل إنسان في إختيار ما يناسبه، ولما هو مقتنعا به وحماية لما هو ثمين في حياته.
وحسب دومينيك دو فيلبان فإن الكثير من الناس والمؤسسات يجدون صعوبة في قول “لا”. وبرر فيلبان العجز في قول” لا ” “non “بسبب الخوف في :” أن نجرح مشاعر الآخرين، أو أن نبدو غير مهذبين، أو أن نخسر محبتهم، فنقول
“نعم”، حتى عندما نشعر بالتعب، أو الانزعاج، أو أننا نضحّي بما نحتاجه نحن. ومع مرور الوقت، نجد أننا نعيش حياة مليئة بالتزامات لم نخترها،وأحيانًا بعيدة تمامًا عما نريد” يقول فيلبان.
ويذكر مؤلف الكتاب فيليب دو فيلبان بأن قول “لا”، “ليس عدوانية، وليس أنانية، بل هو شكل من أشكال الصدق مع النفس. حين نقول “لا” لما لا يناسبنا، فإننا في الحقيقة نقول “نعم” لما نؤمن به، لما نحبّه، ولما يحافظ على طاقتنا وسعادتنا”.
يشبّه المؤلف هذا الفعل وكأنه تنظيف داخلي لحياتنا: نتخلّى عن الفوضى، عن الضغوط غير الضرورية، وعن كل ما لا يخدمنا، ليفسح المجال أمام الأشياء والعلاقات التي تمنحنا القوة والفرح.
ويقدّم خطوات عملية تساعد على ممارسة هذا الحق بدون شعور بالذنب:
التوقف قبل الإجابة: لا تتسرع في قول “نعم”، امنح نفسك وقتًا للتفكير.
الوضوح والهدوء: يمكننا أن نقول “لا” بلطف، دون قسوة أو انفعال.
تذكّر أنك لست مضطرًا لإرضاء الجميع: من الطبيعي أن يختلف الناس معك، وهذا لا يقلل من قيمتك.
التصالح مع الحدود: الحدود التي تضعها ليست جدرانًا للعزلة، بل أبوابًا تحافظ على مساحتك الشخصية.
والهدف الاساسي الذي يقصده دومينيك دو فيربان في كتابه هو أن يزرع فينا قناعة أن “لا” ليست كلمة رفض، بل كلمة حياة. إنها إعلان أننا مسؤولون عن خياراتنا، وأننا نستحق أن نعيش بما يتوافق مع قيمنا وأحلامنا، لا بما يمليه الآخرون.
ويتبين من مضامين كتاب دومينيك دي فيلبان “Le pouvoir de dire Non” انه ينشد إعادة تأسيس”جمهورية الأحياء”،مذكرا الجميع بخطابه الشهير في الأمم المتحدة في عام 2003 فرنسا تقول :”لا” للحرب في العراق التي قررتها الولايات المتحدة، وهي”لا”يتردد صداها مع ولاء دو غول لاستقلال فرنسا والأساس الإنساني لحضارتها””. كما أن صداه يتردد من خلال الحديث عن استنفاد الأرض ومواردها، في خطاب جاك شيراك في قمة الأرض في جوهانسبرغ في عام 2002، قائلا إن “منزلنا يحترق ونحن نبحث في مكان آخر.
لم تعد الطبيعة المشوهة، المستغلة بشكل مفرط، قادرة على إعادة تشكيل نفسها، ونحن نرفض الاعتراف بها. الإنسانية تعاني”، قائلا أيضا “لا”.
ويركز دومينيك دي فيلبان في كتابه على أن التهديد الحقيقي هو أن” الديمقراطيات المنهكة” اليوم هي التي تركت فراغا يفضي إلى الشكل الإمبريالي الذي يحل محلها بصمت،وغالبا ما يظهر هذا من خلال تشويه “بطيء لهياكل السياسة” و”للأوليغارشية “وانزلاق إلى “البلوتوقراطية”، حيث تحاط الحكومات بأرستقراطية من المال، كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث يهيمن المليارديرات على إدارة ترامب.
وبكل مسؤولية يعترف فيلبان بأن فرنسا لم تنج من هذه المخاطر حيث تتمتع الجهات الفاعلة الاقتصادية “بتأثير كبير على رافعة الإعلام”، سواء على الصحافة اليومية الوطنية أو على جمهور التلفزيون، أو بالنسبة للمواقع الإخبارية عبر الإنترنت،حيث تتراجع الجدارة في فرنسا بينما يتصاعد مجتمع الورثة.
لكتاب دومينيك دي فيلبان “le pouvoir de dire non” أهمية معرفية قصوى لكونه يتعرض لقضايا إنسانية ولتحديات إجتماعية وإقتصادية وإعلامية وبيئية استراتيجية، يدفعنا لمواجهتها بكل شجاعة لنقول:” نعم لما يوحدنا ويرفعنا; ولا لمن لا قناعة لنا به لاستعادة الحرية ،
وضمان المساواة، نعم “لديمقراطية متجددة … إلى عالم أكثر تنفسا وأكثر إنسانية وعدلا، حيث تنحسر الهمجية ويتقدم التنوير “.
وأخيرا، فإن كتاب فيليب دو فيلبان جاء في وقته بالنسبة للمغاربة المقبلين علي انتخابات مصيرية سنة 2026 ، مصيرية لتحديد معالم المغرب الذي يحلم به صاحب الجلالة، لذلك علينا امتلاك الشجاعة، وأن نقول “لا” لمؤسسات ولأحزاب غير ديمقراطية، و”لا” لسماسرة الانتخابات ولمرشحين فاسدين، و”لا” للتحكم ….و”لا” لمغرب يسير بسرعتين …
لكن قول “لا”يجب أن يترجم إلى الأفعال، لا أن يظل حبيس الشعارات والخطابات ووسائل التواصل الاجتماعي.