مكانة المرأة الصحراوية بعيون نساء ناجحات

للمرأة مكانة لدى الصحراويين، قل نظيرها في المجتمعات العربية، التي توصف بالمجتمعات الذكوريّة، وصلت إلى درجة أن يذهب البعض إلى وصف المجتمع الصحراوي بالمجتمع الأمومي، بمعنى أن المرأة هي المسيطرة.

ويرجع هذا الوصف لكونه مجتمع يقدس العلاقات الإجتماعية، مما منحها دورا مؤثرا في تطوير، وتنمية حالتها الروحية والأخلاقية  والإنسانيّة، فساعدها ذلك على تحقيق ذاتها، والإستفادة من قدراتها الفطرية.

إعلامية: المرأة بين مطرقة التقاليد وسندان العمل 

تحكي ”منة اليحياوي“، مقدّمة الأخبار الاقتصاية في ”القناة الثانية“، لـ”بلبريس“؛ عن تجربتها الإعلامية، التي صار عمرها عشر سنوات، بـ”القناة الثانية“ واصفةً إياها بأنها، ”تجربة لم تكن سهلة بداية بقسم الأخبار لسنتين، حتى انتقلت لقسم الإقتصاد“.

وترى من تجربتها مع العمل كامرأة صحراوية أن، ”حضور المرأة، ومشاركتها في مختلف المجالات، ومن بينها مجال العمل، شيء محمود، ومقبول في المجتمع الصحراوي، شريطة أن يظل متلفعاً بـ”ملحفة“ الهوية، ومعشقاً بالثقافة الأم. 

منة اليحياوي، مقدّمة الأخبار الإقتصاية في ”القناة الثانية.

”منة اليحياوي“ التي اشتهرت بارتدائها الزي النسائي الصحراوي، ”الملحفة“، على شاشة ”الثانية“، تقول في حديثها لـ”بلبريس“، لطالما كان الإعلام مهمة المتاعب، ”لكن بالنسبة لي كان أكثر تعباً، بحكم انتمائي للمجتمع الصحراوي، إذ كنت بين مطرقة التقاليد التي لن أتخلى عنها، وسندان شروط الإدارة والعمل؛ وكان لزاماً علي وضع المجتمع والتقاليد نصب عيني، لأن تقديمي للنشرة الإقتصادية، كان يحاصرني بين اختيارين؛ الظهور على الشاشة مقابل التخلي عن الزِّي التقليدي، الأمر الذي لم أتقبله، بل ظللت متمسكة به لمدة أربع سَنَوات، مُلحة على الظهور بالملحفة، حتى استجابت الإدارة“. 

وكجواب لسؤالنا عن ماهية الحواجز التي واجهتها، في مسارها؟، تكشف ”اليحياوي“، عن السر الكامن وراء اتشاحها بالملحفة قائلةً، ”في البداية كان أول شرط لوالدي هو ظهوري بالملحفة“.

وتضيف في ذات الصدد، ”بعدها اقتنعت بالفكرة، لأني أرى أن الملحفة في الإعلام المغربي موسومة بالفلكلورية، لكنها بظهورها على الشاشة، لقيت قبولا كبيراً لدى المجتمع المغربي“. 

باحثة: للمرأة مكانة مهمة لا تقل عن مكانة الرجل 

”أمنتو الحامد“ دكتورة باحثة في القانون، علم الإجتماع، ومدافعة عن حقوق المرأة، تحت لواء جمعية ”نساء ضد التحرش“؛ تقسم من جهتها كباحثة وضعية المرأة، إلى عدة أقسام، وفِي حديثها لـ”بلبريس“، استهلت كلامها قائلة، ”من الواضح وبجلاء من خلال المعاينة الميدانية للمجتمع الحساني وتناوله بالدراسة أن للمرأة مكانة مهمة لا تقل أهمية عن مكانة الرجل؛ بل وقد تتجاوزها أحيانا“. 

وتعتبر الحقوقية “الحامد”، في ذات المنوال، أن ”المرأة الصحراوية دعامة أساسية في كل مناحي الحياة في المجتمع الحساني، فهي تساهم وتشارك في العمل والإنتاجية والتنمية، كما أنها تضطلع بمهام الاستقبال، وترتيب جزء كبير من المناسبات الاجتماعية، هذا إلى جانب مشاركتها في تدبير المصاريف المنزلية وتربية الأبناء“.

أمنتو الحامد باحثة في القانون، علم الإجتماع، رئيسة جمعية ”نساء ضد التحرش”.

وعن سؤالنا لها، عن سر هذه المعاملة، تجيب ”الحامد“ عن ذلك، ”في المجتمع الحساني، يتربى الطفل على احترام أخته واحتضانها والرفق بها، وفي هذا الباب تساق أمثال شعبية كثيرة تكرس لهذه العلاقة بين الطفل الذكر وأخته ومنها: "بطاط اخواتو الشيعة ما حذاتو"، بمعنى أن من يضرب أخته لن ينعم بصيت بين الناس، هكذا يمكن القول أن هذا المثل يبطن تحذيرا للذكور من ضرب أخواتهم حتى يكون لهم صيت بين الناس. هكذا تستمر هذه العلاقة المبنية على الاحترام، والاحتضان، والرفق لتؤسس نظام الخؤولة في المجتمع الحساني، والذي ينبني أساسا على العلاقة القوية بين الخال وأبناء أخته المستمدة من متانة علاقته بأخته“.

المرأة الصحراوية والأسرة 

وكامرأة قانون، وحقوقية، خرجت كأي أنثى من فضاء أسري صحراوي، ترى ”الحامد“ أن ”المرأة الصحراوية كجزء من الأسرة، ليست ذاك الكائن المستقبل والمستهلك فقط، وإنما هي عنصر مهم وحي وفعال داخل الأسرة، فهي صاحبة مشورة ولها قوة اقتراحية مهمة داخل الأسرة كما وأنها صاحبة اتخاذ قرارات وخاصة تلك المرتبطة بحياتها الخاصة والزوجية.

فالمرأة في المجتمع الحساني لها أن تدلي بآرائها في ما يتعلق بالأسرة وبالترحال وبتنظيم المناسبات الاجتماعية؛ بل قد تستأثر في بعض الأحيان باتخاذ القرارات حيالها“.

صورة أرشيفية.. “موسم طانطان”، كرنفال تقاليد القبائل الصحراوية

مكانة قوية في مجتمع محافظ 

يبدو المجتمع الصحراوي، ذكورياً إلى حد ما، لكن ذكوريته تلك لا تمنع المرأة من بسط مكانتها فيه، هذا ما تؤكده ”أمنتو الحامد“ في الحديث الذي أجرته معها ”بلبريس“، ”ورغم ما يشاع عن المجتمع الحساني على أنه مجتمع عربي محافظ كسائر المجتمعات العربية، إلا أنه يجيز للمرأة استقبال الضيوف والقيام بواجبهم من حفاوة استقبال وترحيب ومأكل، ومشرب حتى وإن كانوا ذكورا، وإن كان زوجها غائبا، أو باقي أفراد أسرتها غائبين، فنزول الضيف عند المجتمع الحساني لا يستلزم حضور الرجل، فالمرأة تفعل في إكرامه ما قد يفعله الرجل لو كان حاضرا، "فإذا كان الأسد يقتل فاللبؤة كذلك تقتل"، وذلك على الأرجح راجع إلى وعي المجتمع الحساني بقيمة المرأة، فلا يمكن تصور أي اعتداء على المرأة من طرف ضيف ما حتى لو استقبلته بمفردها، يقول الشيخ محمد الإمام: «فاعلم أن النساء عند أهل ذلك القطر كأنما خلقن للتبجيل والإكرام، فلا تكليف ولا تعنيف ولا تثريب»“.

صورة أرشيفية.. حفل زفاف بمدينة العيون

المرأة ومؤسسة الزواج

ويرى الكثير من غير الصحراويين، مسألة الزواج والطلاق، في الصحراء، من زوايا مختلفة، إذ يعتبرون أنه مجتمع يزوج ويطلق، بلا أية حسابات، ومن أجل فك تعنكب هذا، استفسرنا، ”أمنتو الحامد“، فِي الأمر، إذ تعتبر أن المرأة مخيرة فيه ولا يجوز عند أهل الصحراء إكراهها، ”رغم مقولات الحشمة والحياء التي تخيم على كل ما هو مرتبط بمفهوم الزواج ورباطه، إلا أن ذلك لا يمنع من سؤال المرأة عن رأيها في الرجل المتقدم لخطبتها من طرف أهلها، فلا يجوز لدى قبائل الصحراء أن يتم تزويج امرأة بالغصب أو دون أخذ رأيها وموافقتها، بالإضافة إلى أن القبيلة أو الجماعة تبقى مرافقة للمرأة منذ لحظة عقد القران إلى لحظة الطلاق لو قدر ذلك، بمعنى أن القبيلة أو الجماعة تظل قوة إلزام أخلاقي، ومن ذلك مثلا أن تضمن في عقد زواج المرأة المنتمية لها شرط عدم التعدد: «لا سابقة، ولا لاحقة، وإذا حدث فأمرها بيدها» “.

المجتمع الصحراوي، مجتمع قبلي، ورغم تمدنه لا زالت للقبيلة الكلمة الفصل في عدة قضايا، منها قضايا الأسرة، إذ تتدخل دائماً لحلحلة قضاياها، وتعتبر ”الحامد“ أن، ”تدخل القبيلة أو الجماعة لتمكين المرأة من طلاقها إذا كرهت زوجها، وهذا التعبير يفيد أنها لم تعد تستطيع مجاراته جنسيا أو أنه لا يلبي حاجاتها الجنسية، أو يطالبها بممارسات جنسية شاذة، فلفظة ”كَارِهْتُو“ لها ارتباط بالفراش، وبالتالي لا تناقش عودة الزوجة إلى بيت الزوجية نهائيا إذا ما أقرت بذلك، كما ولا تناقش تفاصيل المشكل نهائيا؛ بل يتم السعي من طرف القبيلة أو الجماعة، وكذا أسرة الزوجة في إحقاق الطلاق لها“.

وتضيف “الحامد”، إلى ما سبق، في ذات الإتجاه، أنه ”لا يمكن أن نغفل ذاك الاحتفال الذي يقام للمرأة المطلقة بمجرد إتمام عدتها، والذي يعد رسالة إلى مطلقها بأنها ليست وصما ولا عارا، وأنها على استعداد لاستقبال خطاب جدد وخاصة من أبناء عمومتها، ثم أنها ليست سلعة منتهية الصلاحية بمجرد طلاقها، وبالعودة إلى الانخراط في مؤسسة الزواج، فهو يلزم الرجل الصحراوي التزاما أخلاقيا مع قبيلته ومع قبيلة زوجته بأن يعاملها معاملة طيبة نبيلة تصون كرامتها وكرامة أهلها، ذلك أن أي تعنيف أو سوء معاملة قد تتعرض له زوجته يعد إساءة كبيرة وخرقا سافرا لالتزامات الزوج مع القبيلة، وبالتالي يعرضه لتقهقر مكانته داخل القبيلة ويمس بصيته بين القبائل“.

صورة أرشيفية.. امرأة صحراوية

كاتبة: المجتمع ليس ذريعة لفشل المرأة

وتعتقد الروائية الصحراوية، ”يحانذ ماء العينين“، أن ”الحديث عن قدرات النساء وامكانياتهن أصبح أمرا متجاوزا في وقتنا الحالي، فالمرأة أثبتت استحقاقها لتولي كل المناصب، وجدارتها في العمل بكل المجالات، ومع ذلك تختلف مكانة المرأة من مجتمع لآخر، وذلك ناتج عن نظرة أفراد هذا المجتمع للنساء ومدى تشجيعهم لهن، ودعمهن لأجل تحقيق أهدافهن“. 

وفي حديثها مع ”بلبريس“، عن مكانة المرأة الصحراوية، ترى ”يحانذ“ صاحبة رواية ”جراح مغتربة“، من وجهة نظرها، أن “المجتمع الصحراوي منصف للمرأة، مقارنة مع عدة مجتمعات، لكن ليس على حساب الرجل”.

وتضيف لـ“بلبريس”، أن المجتمع الصحراوي من بين “أكثر المجتمعات إنصافاً للنساء، والأكثر تقبلا لكل أوضاعهن؛ الشيء الذي يتضح جليا في قوة المرأة الصحراوية، وثقتها واعتدادها بنفسها، لكن هذه المكانة تتأثر بعوامل كثيرة؛ فالمجتمع الصحراوي يبقى مجتمعا شرقيا يوثر الرجل فيه على المرأة، ويرى هذه الأخيرة كائنا ضعيفا يحتاج الإهتمام والرعاية، مهما بلغت من قوة ومهما حققت من نجاح“. 

وتتابع الأديبة ”ماء العينين“ كلامها، الذي حددت فيه ما تحتاجه المرأة الصحراوية، من مجتمعها، معتبرةً، ”إن مجتمعنا اليوم يحتفي بالنساء ويشيد بتفوقهن، ويسلط الضوء على انجازاتهن، لكن ما  ينقصه هو أن يكون جزءا من هذا النجاح، ويجب على المرأة الصحراوية لتعزيز مكانتها أن تسعى السعي الحثيث، من أجل تحقيق طموحاتها وأن لا تحاول في يوم أن تتخذ من المجتمع ذريعة تواري خلفها كل فشل“.

وطبعاً، ليس هذا هو موقف الكل من المرأة، فالمجتمع الصحراوي، شأنه شأن نظرائه من المجتمعات العربيّة، هناك من يساند المرأة ويؤمن بحقوقها كاملة، وهناك أيضا، من يستكثر عليها غير المطبخ والإنجاب، يستأسد عليها بذكوريته طامساً جوهر إنسانيتها.