في خطوة أثارت الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية والحقوقية، تمارس قيادة حزب الأصالة والمعاصرة ضغوطًا متزايدة على وزير العدل عبد اللطيف وهبي، من أجل الإسراع بإدخال تعديلات قانونية جديدة ضمن مشروع القانون الجنائي، تستهدف بوجه خاص ما أسمته “التهجمات الباطلة” التي تطال وزراء الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً “فيسبوك” و”يوتيوب”.
وبحسب مصادر متطابقة، فإن قيادة الحزب تعتزم الدفع في اتجاه التنصيص على فصول قانونية خاصة تميز بوضوح بين الصحافيين المهنيين العاملين داخل مقاولات إعلامية معروفة لها عناوين واضحة ومسجلة، وبين فئة من “الناشطين الرقميين” الذين ينشرون محتوى على صفحات فيسبوكية أو قنوات يوتيوب، دون أن تتوفر لديهم صفة قانونية واضحة أو التزام بأخلاقيات المهنة.
استهداف غير معلن لـ “صناع المحتوى” الرقمي
ورغم عدم الإعلان رسمياً عن مضامين هذه التعديلات المقترحة، فإن معطيات واردة من داخل الأغلبية الحكومية تفيد أن حزب “البام” مدفوعٌ بهاجس الدفاع عن صورته وسمعة وزرائه، المتضررة في الآونة الأخيرة بسبب منشورات اعتُبرت “مسيئة” أو “مغرضة”، صادرة عن نشطاء وصناع محتوى على مواقع التواصل، تم تداولها على نطاق واسع وخلّفت أحياناً تأثيراً كبيراً في الرأي العام.
وتأتي هذه المساعي في سياق سياسي مشحون، حيث تزايدت الأصوات المنتقدة لأداء بعض الوزراء، ورافقها ارتفاع في عدد المنشورات الفيسبوكية التي توجه اتهامات مباشرة لهم بالفساد أو سوء التدبير، وهو ما تعتبره قيادات “البام” جزءاً من “حملات موجهة” لا تستند إلى أدلة أو قواعد مهنية.
تمييز بين الصحافي والناشط… لمن تكتب حرية التعبير؟
ويطرح هذا التوجه القانوني إشكاليات دستورية وحقوقية حقيقية، أبرزها حدود التمييز بين حرية التعبير والحق في الانتقاد، من جهة، وبين حماية المؤسسات والأشخاص من السب والقذف، من جهة أخرى.
فالتمييز الذي تدفع به قيادات الأغلبية بين “الصحافي المهني” و”الناشط الرقمي”، رغم أنه قد يُفهم في سياق تقنين المهنة وضبط المحتوى، إلا أنه يفتح الباب لتأويلات متعددة حول نوايا تكميم الأصوات الخارجة عن نسق الإعلام التقليدي، وتضييق الخناق على فاعلين رقميين يشكلون اليوم إحدى القنوات الأساسية لمساءلة السلطة ونقل مطالب الشارع.
حلف حكومي واسع وراء المقترح
وفيما تشير مصادر إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة ليس الوحيد الذي يتحمس لهذا التوجه، تؤكد المعطيات المتوفرة أن جهات أخرى داخل الأغلبية الحكومية، بما في ذلك من يتحملون مسؤوليات تنفيذية، ينظرون بعين القلق إلى اتساع رقعة الانتقادات الموجهة إليهم عبر الفضاء الرقمي، خصوصاً في ظل ضعف الردود الرسمية وانخفاض ثقة المواطنين في المؤسسات.
ويبدو أن مشروع القانون الجنائي الجديد، الذي لا يزال مودعاً لدى الأمانة العامة للحكومة، سيتحول إلى ساحة خلاف جديد بين دعاة توسيع هامش الحريات، وبين من يسعون لتقنينها بشكل أكثر صرامة تحت مبررات تنظيم المجال الرقمي وضمان السلم المجتمعي.
مخاوف من انتكاسة حقوقية
وتخشى منظمات حقوقية ونقابات صحافية أن يُستخدم هذا التعديل المرتقب كأداة لتقييد حرية الرأي والتعبير، خصوصاً إذا لم تُرفق هذه المقتضيات بضمانات قانونية تحمي حق المواطن في النقد المشروع، وتفصل بين التجاوزات الفردية وبين التعبير عن الرأي العام.
وفي انتظار الكشف الرسمي عن فصول القانون المعدلة، يبقى الجدل مفتوحاً بين من يرى في هذه الخطوة “درعاً قانونياً” لحماية المسؤولين العموميين من التشهير والإساءة، ومن يعتبرها “مقصلة جديدة” تطال حرية الكلمة في فضاء رقمي بات البديل الأول للإعلام التقليدي.