الرباط تُربك حسابات المرادية: الجزائر تخشى انزياح نواكشوط نحو مقترح الحكم الذاتي

تشهد الكواليس الدبلوماسية بالمنطقة المغاربية حراكًا محمومًا، تقوده الجزائر بوتيرة متسارعة باتجاه موريتانيا، في محاولة حثيثة لاحتواء التقدم الدبلوماسي المغربي المتنامي في نواكشوط، والذي بات يثير قلقًا متزايدًا في قصر المرادية. فالمملكة المغربية تواصل تعزيز حضورها الإستراتيجي في المنطقة، عبر شراكات عابرة للحدود ومشاريع تنموية ذات أبعاد قارية، خاصة في مجالات الطاقة واللوجستيك والأمن.

وفي ظل هذا السياق الإقليمي المتقلب، والمطبوع برهانات النفوذ وتوازنات ملف الصحراء المغربية، تتحرك الجزائر لتفادي أي تحول محتمل في موقف موريتانيا من النزاع المفتعل، خاصة بعد تزايد مؤشرات الانفتاح على الطرح المغربي، وفي مقدمته مبادرة الحكم الذاتي التي تروج لها الرباط كحل واقعي وذي مصداقية.

أحدث فصول هذا التحرك الجزائري تمثل في زيارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، إلى نواكشوط، حيث عقد محادثات مع رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، محمد ولد مكت، في خطوة تحمل رسائل سياسية واضحة، وستتلوها لقاءات مع شخصيات موريتانية بارزة. هذه الزيارة ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة من الأنشطة واللقاءات التي كثّفتها الجزائر في الأشهر الأخيرة، من بينها تكرار اجتماعات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مع نظيره الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، فضلاً عن مبادرات ثقافية واقتصادية تحاول من خلالها الجزائر استعادة موطئ قدمها في نواكشوط.

وتراقب الجزائر بعين الريبة تسارع وتيرة التعاون بين المغرب وموريتانيا، الذي لم يعد يقتصر على البعد السياسي، بل امتد ليشمل مشاريع استراتيجية تعزز التكامل بين البلدين، وهو ما تعتبره الجزائر تهديدًا مباشراً لتوازنات النفوذ في المنطقة.

ويرى مراقبون أن ما يجري هو أكثر من مجرد شدّ وجذب دبلوماسي، بل سباق صريح على من يمسك بمفاتيح التأثير في الساحل والمغرب الكبير، حيث باتت موريتانيا، بموقعها الجغرافي ووزنها السياسي، رقماً صعباً في معادلة النفوذ الإقليمي، تتسابق الرباط والجزائر على كسبه أو على الأقل تحييده.

وفيما تسعى نواكشوط إلى الحفاظ على مسافة متوازنة من الطرفين، يبدو أن التصعيد الجزائري يحمل مؤشراً واضحاً على أن الصراع لم يعد فقط حول ملف الصحراء، بل حول الزعامة الإقليمية وخرائط المستقبل في فضاء جيوسياسي بالغ التعقيد.