زلزال يضرب"العدالة والتنمية":نصف المنخرطين يغادرون والحزب يعاني من "أزمة مالية"

في مشهد سياسي غير مألوف، فاجأ عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الرأي العام بإقراره الصريح بخروج 20 ألف عضو من أصل 40 ألفا من صفوف الحزب. إعلان قد يبدو في ظاهره شجاعة سياسية، لكنه في عمقه يعكس أزمة تنظيمية عميقة تهدد الكيان الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين قبل أن يسقط سقوطا مدويا في انتخابات 2021.

نصف الحزب يغادر... ولا أحد يسأل لماذا؟

بنكيران اكتفى بالإشارة إلى أن الأمر "لا يضايقه"، متجنبا الخوض في الأسباب الحقيقية لهذا النزيف التنظيمي. وهو ما يطرح أكثر من سؤال: هل يتعلق الأمر بتململ داخلي نتيجة سوء إدارة القيادة؟ أم أن الإحباط بعد السقوط الانتخابي لا يزال يلقي بظلاله على القواعد الحزبية؟ وفي الحالتين، فإن صمت القيادة أمام هذا الانكماش العددي يعكس ارتباكا في التعامل مع الأزمة، وربما فقدانا للبوصلة التنظيمية.

أزمة مالية... ومؤتمر بلا تمويل

وفي تناقض صارخ مع حجم التحديات، يشتكي بنكيران من ضعف التمويل، معلنا عن صعوبة تغطية نفقات المؤتمر الوطني التاسع للحزب المقرّر نهاية أبريل. الحزب، الذي راكم تجربة في تدبير الشأن العام، أصبح عاجزا عن تأمين 300 مليون سنتيم لتغطية تكاليف مؤتمره، واضطر إلى طلب الدعم من وزارة الداخلية، دون أن يتلقى أي رد. بل اضطر للعودة إلى المنخرطين والمتعاطفين لطلب تبرعات، في مشهد لا يخلو من مفارقة: حزب قاد حكومة، يستجدي الآن مساهمات من أعضائه لسد ثغرة مالية!

خلافات مزمنة.. والمصالحة مؤجلة

التصدعات لم تقتصر على القاعدة التنظيمية، بل طالت قيادات الصف الأول. مصطفى الرميد، أحد أبرز وجوه الحزب، تعرض لهجمات من بنكيران نفسه، واختار الانسحاب بدل المواجهة. آخرون، من وزراء حكومة العثماني، فضلوا المقاطعة الكاملة للمؤتمر، احتجاجا على ما وصفوه بـ"الإهانات التي مست كرامتهم". غياب المصالحة يؤكد أن الخلافات في "البيجيدي" لم تعد سياسية فقط، بل باتت شخصية، وهو ما يهدد وحدة الحزب من الداخل.

مؤتمر بلا وجوه.. وبنكيران يلوّح بالانسحاب

وسط هذا المشهد المرتبك، يلوّح بنكيران باحتمال عدم الترشح مجددا، تاركا الباب مفتوحا أمام "اختياره" من قبل المجلس الوطني. لكنه في الوقت نفسه، لا يُخفي رغبته في الاستمرار، إن طُلب منه ذلك، لخوض انتخابات 2026. هذا التردد بين البقاء والرحيل يزيد من الضبابية، ويترك المتابعين في حيرة: هل يريد بنكيران فعلاً التراجع؟ أم أنها مجرد مناورة لقياس المزاج الداخلي؟

إقصاء الخصوم... أم إخفاق في إدارة الخلاف؟

إضافة إلى كل ما سبق، قرر الحزب كسر تقليد ديمقراطي كان يتفاخر به، عندما استثنى قادة أحزاب أخرى من حضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، في مقدمتهم عزيز أخنوش وإدريس لشكر. الخطوة قوبلت بانتقادات لاذعة، اعتُبرت دليلا على ضيق الأفق السياسي، وعجزا عن التمييز بين الخلاف والخصومة.

 حزب في مفترق طرق

ما يحدث اليوم داخل العدالة والتنمية ليس مجرد عثرة تنظيمية أو خلاف مرحلي، بل منعطف حاسم يهدد مستقبل الحزب كقوة سياسية وازنة. الخروج الجماعي للمنخرطين، الأزمة المالية، غياب المصالحة الداخلية، واستمرار التوتر مع المحيط السياسي... كلها مؤشرات على أن الحزب يعاني من "أزمة هوية" تتجاوز مجرد الأرقام أو التمويل.

العدالة والتنمية أمام خيارين: إما إعادة البناء على أسس جديدة، أو مواصلة الانحدار حتى يتحول إلى حزب هامشي بلا تأثير.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.