“لوموند” : بعد شهر على المأساة لا حداد في المغرب على 51 من أبناء العطاوية المفقودين في البحر

نشرت جريدة “لوموند” الفرنسية روبورتاجا خاصا من مدينة العطاوية، بعد شهر على حادثة الهجرة الأليمة التي فقدت على إثرها البلدة حوالي 51 من أبنائها بينهم قاصرون، عند محاولتهم العبور إلى جزر الكناري عبر قارب مطاطي.

وفيما يلي نص الروبرتاج الذي أنجزته الصحفية “أوريلي كولاس” مبعوثة الجريدة الخاصة للعطاوية مترجما بتصرف:

 

أحد أقارب المختفين يعرض صورة مركبة لقريبه المفقود من العطاوية على هاتفه، تحت أشعة الشمس الحارقة في البلدة الصغيرة، ذات المساكن المتواضعة. في هذا اليوم من شهر يوليوز ، عندما بلغت درجة الحرارة ذروتها عند 46 درجة مئوية، بدت هذه المدينة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها بضعة آلاف، والواقعة على بعد 75 كيلومترًا شرق مراكش، حزينة بعد ما عاشته على إثر اختفاء واحد وخمسين من أبنائها الذين كانوا يحاولون الوصول إلى إسبانيا بشكل غير قانوني على متن قارب.

لقد تركوا عائلاتهم منذ أكثر من شهر بقليل، كان أصغرهم يبلغ من العمر 14 عامًا ، وأكبرهم 40 عامًا، وتعود آخر رسالة تلقاها أقاربهم إلى يوم السبت 10 يونيو ، حوالي الساعة 11 ليلا، كانوا خلالها في فندق بالقرب من أكادير وهم على وشك ركوب الحافلة الصغيرة التي ستنقلهم إلى الشاطئ حيث ينتظرهم قارب، ومن المقرر أن يبحروا فجر الأحد في رحلة تستغرق ثلاثة أيام إلى جزر الكناري، منذ ذلك الحين لا أخبار عنهم.

لا يُعرف ما إذا كانوا من بين ضحايا سلسلة طويلة من القوارب المفقودة منذ يونيو الفارط بين السواحل المغربية والأرخبيل الإسباني، في طريق الهجرة الذي أصبح وسيلة عبور لإسبانيا بسبب تشديد الضوابط في البحر الأبيض المتوسط”، كما يقول مهدي لحلو ، أستاذ الاقتصاد في جامعة الرباط والمتخصص في قضايا الهجرة.

طريق الهجرة القاتل

من سواحل المغرب إلى جزر الكناري، يعتبر طريق المحيط الأطلسي أحد أكثر الطرق فتكًا، في عام 2022 ولحده توفي فيه 1784 شخصًا ، و 778 شخصًا في الأشهر الستة الأولى من عام 2023، وفقًا لإحصائيات منظمة “كاميناندو فرونتيراس” الإسبانية غير الحكومية.

وهذا الطريق أيضا مكلف للغاية، ففي العطاوية دفعت كل أسرة ما بين 3000 و 4500 أورو من أجل العبور إلى الأرخبيل الإسباني، قام البعض بتصفية ميراثهم، وباعوا أراضيهم، وآخرون حصلوا على دين، أو اضطروا لرهن منازلهم لدفع رواتب المهربين الثلاثة الذين يعملون في البلدة منذ ثلاث إلى خمس سنوات، وفقًا للشهادات التي تم جمعها.

ثقة مدمرة

دمعة خفية تنهمر على خد عباس بغيجو، والد نبيل البالغ من العمر 18 عامًا، والذي يحمل صورة جواز سفره، “المهربون رحبنا بهم في منزلنا قبل المغادرة، أكدوا لنا أن أطفالنا سيصلون سالمين وأنهم سيعودون للاحتفال بحياتهم الجديدة في إسبانيا معنا”. هذا الفلاح باع أرضه الوحيدة المكونة من ست عشرة شجرة زيتون لإنقاذ ابنه من الفقر.

يقول عباس “إن المهربين بالفعل نقلوا الكثير من الناس ولم تكن هناك مشكلة على الإطلاق، لقد وثقنا بهم لكنهم خانونا”.

بعد شهر من اختفاء أبنائهم، يتشبث السكان بالأمل في أنهم ما زالوا على قيد الحياة في مكان ما في المغرب، موقوفين أو مختبئين.

“ليس لدينا دليل على أنهم ذهبوا إلى البحر،. بشكل عام  أثناء العبور ، يرسل الشباب الصور من القارب لم نتلقى شيئا “، بهذه العبارة يأمل عباس أن يتم يتم العثور على شيء من متعلقات المفقودين أو سترات نجاة، يذهب للتخمين أنه ربما تم اختطافهم من قبل هذه الشبكة الإجرامية.

بدوره يحاول أن يصدق نور الدين عصيم شقيق أحد المفقودين، ما هو مؤكد أي أنهم ليسوا في إسبانيا، يقول إن السلطات الإسبانية والجمعيات هناك تؤكد عدم رسو أي قوارب في اليوم الذي كان من المفترض أن يصل فيه القارب الذي يحمل أقرباءهم.

فقر وجفاف

أما فاطمة الباز فتجلس على الأريكة في غرفة معيشتها وتنعي ابنها معاد البالغ من العمر 19 عامًا، لقد جافاها النوم، وتظل اليوم بأكمله في انتظار أخبار افتراضية تصلها عن ابنها، “منذ سن الرابعة عشرة، قال إنه يريد المغادرة، وأنه لا يرى مستقبلًا هنا، بسبب عدم وجود فرص عمل للشباب، أو بسبب الأجور الزهيدة”.

“فيما مضى كانت هناك على الأقل أشجار زيتون، كان الشباب يعملون في موسم القطاف في الخريف، لكن منذ ثلاث أو أربع سنوات، لم يكن هناك ماء وأشجار الزيتون ماتت بسبب الجفاف”.

النجاح يعني الرحيل

هذه هي قصة “المغرب العميق” ، يلخص مهدي لحلو: “النجاح يكون بالرحيل الدولة غائبة، والشباب تحت رحمة المتاجرين، تعيش البلدة بشكل أساسي من زراعة واستخراج زيت الزيتون ، لكن فرص الشغل تبخرت مع الجفاف.

مأساة 11 يونيو لم تكن غير مسبوقة في الإقليم، بحسب عبد الرزاق المجيارة، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان: “هناك شبكة من المهربين نشطة للغاية وقعت تحت شركها العديد من العائلات”.

من جانبه، عبر الحزب “الاشتراكي الموحد”،  عن قلقه الكبير، ودق ناقوس الخطر أكثر من مرة من تزايد محاولات الهجرة غير النظامية في المنطقة، ودعا إلى وضع حد للتهميش والإقصاء والفقر الذي ينتج مثل هذه المآسي.

وهم الحياة الجيدة

إن الرغبة العنيدة لأولئك الذين يطلق عليهم “حراكة” في السعي لتحقيق حلمهم الأوروبي مع المخاطرة بحياتهم يغذيها أيضًا وهم “الحياة الجيدة” على الجانب الآخر من ضفة البحر الأبيض المتوسط الشمالية.

“تخيل أخي ورفاقه الأربعة الذين رحلوا معه أنهم سيصبحون أثرياء وأثرياء للغاية”، هذا ما يقوله يوسف أغرود صاحب 23 ربيعا، والذي سلك طريقا مغايرا لشقيقه عبر دراسته في جامعة مراكش، “كانوا يشاهدون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للمغاربة من هناك يستعرضون سيارتهم الجميلة ومنازلهم، طبعا هناك أيضًا مقاطع فيديو تظهر العكس، لكنهم شاهدوا فقط ما يريدون رؤيته،كان النجاح بالنسبة لهم هو المغادرة”.

يتجسد النجاح الاجتماعي أيضًا في صورة معينة للمهاجرين المغاربة الذين يعودون كل صيف بأيادي مليئة بالهدايا ويبنون منازل ثانية، في العطاوية يقال إن لديهم أجمل المساكن.

يؤكد محمد خشاني الأمين العام للجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة: “غالبًا ما يعكس مظهر وطبيعة حياة المهاجرين العائدين إلى البلاد في الإجازات، كمثال يحتذى به للشباب، وأحيانًا يكون ذلك منذ الطفولة، وهذا ما يدفعهم إلى خوض  مغامرة الهجرة، خاصة مع عدم وجود فرص عمل ترضي السكان وتلبي متطلباتهم”.

في الأسابيع الأخيرة ، تظاهرت عائلات المختفين من العطاوية في عدة مناسبات لمعرفة الحقيقة والمطالبة بمحاكمة المهربين الذين تقدموا بشكوى ضدهم، وبحسب مواقع إخبارية فقد تعرفت شرطة مراكش على “خمسة منظمين مزعومين  قُدِّم اثنان منهم إلى العدالة، وصدرت مذكرات توقيف بحق ثلاثة آخرين.