احمد العماري
تعتبر الانتخابات من ركائز أنظمة الحكم الديمقراطية ، ومن أدوات المشاركة في الحياة السياسية وفي تشكيل المؤسسات الديمقراطية المعبرة عن الارادة الشعبية، واحدى الحقوق السياسية التي بواسطتها يمارس المواطن حقه في انتخاب المؤسسات التمثيلية اما بشكل مباشر عن غير مباشر لكونها ضرورة ديمقراطية.
ومن هذا المنطلق تتجه كل الأنظار بعد التصويت على قوانين المنظومة الانتخابية نحو نسبة إقبال المغاربة ومشاركتهم في الانتخابات المقبلة التي تنظم في سياق استثنائي، نظرا لأهمية نسبة المشاركة في افراز مؤسسات محلية وجهوية ووطنية قوية ومنسجمة تكون في مستوى تحديات الظرفية السياسية الراهنة والمناخ السياسي العام الذي يخيم على المغرب في ظل استمرار تأثير فيروس كورونا الذي مازالت انعكاساته تثير الاهتمام .
وعلى هذا الاساس، فكثافة المشاركة في الانتخابات او ضعفها هو من يعطي للمؤسسات التي تفرزها الانتخابات قيمتها ومشروعيتها .اذن لماذا يجب المراهنة على المشاركة في الانتخابات وأين تجلى أهميتها؟
المشاركة في الانتخابات حق وواجب: تعتبر عملية المشاركة في الانتخابات من الواجبات الوطنية التي تجسد قيم المواطنة والانتماء وقيم المسؤولية ورقابة المؤسسات المنتخبة، انها قمة ممارسة الحس الوطني والآلية الديمقراطية التي بواسطتها تجسد المواطنة كواجبات وكحقوق انها من يعطي للشرعية التمثيلية معنى ويمنح للديمقراطية التشاركية دلالة، بل انها تجذير وتعميق للسلوك الديمقراطي عند المواطن، لذا نصت دساتير بعض الدول على اجبارية المشاركة.
المشاركة في الانتخابات آلية لتجديد النخب: تعتبر الانتخابات فرصة سانحة لتجديد النخب المحلية والجهوية والوطنية، ولاختيار نخب وكفاءات جديدة قادرة على إعطاء دفعة قوية للعمل المؤسساتي، و لن يتأت ذلك دون مشاركة كبيرة ومكثفة من لدن المواطنين، سيما فئة الشباب التي تعتبر الرقم الصعب في كل عملية انتخابية.انها فرصة لتداول النخب على السلطة و على المؤسسات وتدبير الشأن العام وخلق التنافسية بين برامج الفاعلين والأحزاب.
المشاركة الشعبية ومسؤولية الأحزاب السياسية:ترتبط المشاركة الشعبية في الانتخابات بالعرض السياسي للأحزاب وبسلوكات وبخطابات وبتصرفات نخبها او منتخبيها ، فكلما كانت الأحزاب ديمقراطية ومنتخبيها نزهاء في المؤسسات وفي تدبير الشأن العام ولهم مصداقية كانت المشاركة مكثفة ،وكلما كانت الأحزاب السياسية غير ديمقراطية ومن يمثلها في السياسات العمومية غير مؤهلين أخلاقيا وسياسيا لتدبير الشأن العام كلما كانت المشاركة كارثية ، وهذا ما ينطبق على المشهد الحزبي المغربي الذي يعاني اليوم من خلل بنيوي سيشكل خطرا على المشاركة الشعبية ومن شأنه تشجيع المواطن الابتعاد اكثر من صناديق الاقتراع خصوصا وان الأحزاب تناقش كل شيئ له علاقة بالعملية الانتخابية باستثناء كيفية منح التزكية وعلى اية أسس لتكون المشاركة مكثفة.
تهاتف الأحزاب على أصحاب المال وسماسرة وكائنات الانتخابية خطر على المشاركة: اكد لي بعض زعماء الاحزاب السياسية انهم حسموا مسالة التزكية في عدد كبير من الدوائر الانتخابية منذ مصادقة المجلس الوزاري الأخير على مشاريع القوانين الانتخابية على أساسين : المال والفوز بالمقعد وليس على معايير الكفاءة والنزاهة والحكامة وهذا مؤشر سلبي على ان الانتخابات المقبلة سيهمن عليها أصحاب المال والكائنات وسماسرة الانتخابات وهو معطى سوسيولوجي دال على ان قادة الأحزاب السياسية ما زالوا رهيني معادلة المال والفوز بالمقعد بغض النظر عن الكيفية ، وبهذا السلوك اثبت قادة الأحزاب انهم لم يستوعبوا بعد فلسفة دستور ليثبتوا بذلك انهم لا يحترمون مضامين الخطابات الملكية وغير مدركين للتطورات التي طرأت على بنيات المجتمع المغربي وغير واعين بتحديات مغرب ما بعد كورونا.
والغريب في الامر ان جل الأحزاب قد رشحت نفس الوجوه التي مل المغاربة من رؤيتها خصوصا جيل وسائل التواصل الاجتماعي. مما يدل ان المشاركة الشعبية ستكون كارثية في الانتخابات المقبلة خصوصا بعد اعتماد القاسم الانتخابي على المسجلين بالنسبة للانتخابات التشريعية والقاسم الانتخابي على أساس المصوتين بالنسبة لانتخابات الجماعات الترابية والجهوية.
نسبة المشاركة المعادلة الصعبة في الانتخابات المقبلة: تدل مؤشرات كثيرة ان نسبة المشاركة ستشكل الرقم الصعب في المعادلة الانتخابية المقبلة خصوصا في سياق الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الاستثنائية التي يعرفها المغرب .اقتصاديا المواطن قهرته كورونا ، اجتماعيا الفقر والتهميش والفساد حاصر المواطن ، وسياسيا ردائة الزمن السياسي المغربي وقبحه بنخبه وفاعليه وخطاباتهم وتصرفاتهم وممارساتهم كانت له تداعيات خطيرة على المواطن حيث انه كره اكثر الانتخابات والسياسة ودفعته يبتعد اكثر وهذا ما ستؤكده الانتخابات المقبلة.
تزكية الفاسدين وأصحاب المال والكائنات الانتخابية أخطر مما يهدد الانتخابات المقبلة: تأثير الفساد الانتخابي على المشاركة الانتخابية لا يحتاج لدليل واقصد بها تزكية الأحزاب السياسية للفاسدين وللكائنات الانتخابية وأصحاب المال ولغير المناضلين الحقيقيين، وهنا تتحمل الأحزاب السياسية والدولة المسؤولية في تزكية هاته الكائنات الانتخابية التي تسيئ للسياسة وللأحزاب ذاتها وللوطن.
وتؤكد عدة دراسات ان اخطر ما يهدد المشاركة الانتخابية المكثفة هي نوعية المرشحين الفاسدين الذين يعتبرون الانتخابات والفوز فيها عملية استثمار ليس الا .
عملية استغناء وفوز بحصانة برلمانية ووسيلة لحماية المصالح الخاصة واستعمال أصوات المنتخبين لشرعنة مناصبهم غير المستحقة.
وعليه، كل المؤشرات تؤكد ان اهم ما يهدد الانتخابات المقبلة هي نسبة المشاركة الشعبية ، وعلى الكل ان يفهم بان العملية الانتخابية ليست تقنية او قانونية فقط بل انها عملية سياسية بامتياز تتوزع فيها المسؤولية بين الدولة والأحزاب السياسية والمواطن.