مجلس الأمن أمام تحديات الأزمات الإنسانية وإكراهات إحلال السلام

في بداية كل سنة، يجد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نفسه أمام أجندة حافلة تتضمن بالأساس القضايا السياسية التي طال أمدها هنا وهناك، والأزمات الإنسانية التي تفاقمت بسبب نقص التمويل أو النزاعات التي لاتزال قائمة، وهي التحديات التي يتعين على الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة مواجهتها طيلة سنة 2022.

هذه المعركة "الماراطونية" التي يقودها المجلس، على مدار أشهر السنة، من خلال المشاورات المغلقة والاجتماعات رفيعة المستوى والمناقشات والجلسات العامة، تتكرر كل سنة، مما يعطي الانطباع بأن الأمر يتعلق بقضايا سبقت معالجتها. وعلى سبيل المثال، ركز المجلس جهوده في سنة 2021 على القضايا الإنسانية والتحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في ما يتعلق بالسلام والأمن، دون إغفال أهمية قضية المناخ، التي أصبحت تتصدر أكثر فأكثر اهتمامات هذه الهيئة الأممية.

وحسب آخر الإحصاءات التي نشرها قسم الإعلام بمنظمة الأمم المتحدة، فقد عقدت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة ما مجموعه 246 جلسة عامة، منها 95 تمت عن طريق المناظرة المرئية، للتباحث والنقاش في عدة قضايا همت الأزمة الإنسانية في أفغانستان وسوريا والمأزق السياسي في السودان، مرورا بالوضع في الشرق الأوسط وبورما ومالي والصومال واليمن وإثيوبيا والتوترات في أوكرانيا. وعلى الرغم من السياق المتسم بالأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كوفيد-19، فقد صادق مجلس الأمن الأممي على 57 قرارا، بالإضافة إلى 24 بيانا رئاسيا، مقابل 13 فقط في العام الذي قبله. فبخصوص قضية الصحراء المغربية، صادق مجلس الأمن في أكتوبر الماضي على القرار رقم 2602 الذي كرس، مرة أخرى، سمو وجدية ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والتي تشكل الحل الوحيد لهذا النزاع الإقليمي، وذلك في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة.

وأكد قرار المجلس أيضا على أهمية مسلسل الموائد المستديرة بترتيباتها والمشاركين فيها الأربعة، وهم المغرب والجزائر وموريتانيا و(البوليساريو). وبموجب هذا القرار، طلبت الدول الخمسة عشر من السيد ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء المغربية استئناف تيسير العملية السياسية للموائد المستديرة ، مجددة التأكيد ، مرة أخرى ، على أن الهدف النهائي لهذه العملية هو الوصول إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم ومقبول من الأطراف على أساس التوافق. وبخصوص الوضع في الشرق الأوسط، عقد مجلس الأمن مناقشات فصلية حول هذه القضية، تميزت بمشاركة المنسق الخاص الجديد لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينيسلاند. وخلال هذه المناقشات، قال مسؤول الأمم المتحدة إنه "متفائل بشكل معقول" بشأن استئناف المفاوضات "المباشرة" و"البناءة" بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفي ما يتعلق بلبنان، صادق مجلس الأمن على القرار رقم 2591 الذي يمدد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) لمدة عام. ودعا القرار اليونيفيل إلى اتخاذ "إجراءات خاصة مؤقتة" لدعم ومساعدة الجيش اللبناني من خلال تزويده بمعدات غير فتاكة -وقود وغذاء وأدوية- وتقديم دعم لوجيستي إضافي لمدة ستة أشهر. وفي مارس 2021، ومع دخول النزاع في سوريا عامه الحادي عشر، واصلت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة دراسة ثلاثة جوانب لهذه الأزمة همت الجانب السياسي والجانب الإنساني والأسلحة الكيمياوية. وهكذا، تم التطرق إلى الوضع في هذا البلد مرارا خلال المناقشات الموضوعاتية المختلفة، وكذلك بمناسبة المناقشات الفصلية حول "الوضع في الشرق الأوسط".

وعلى الصعيد الإنساني، كان الحدث الأبرز هو تبني القرار رقم 2585 ، في 9 يوليوز المنصرم، الخاص بتوصيل المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وحسب قسم الإعلام بالأمم المتحدة، فقد كانت هذه المرة الأولى منذ سنة 2016 التي يتم فيها تمرير قرار بالإجماع بشأن هذه القضية التي تشكل موضع خلاف.

وبخصوص الوضع في العراق، جدد القرار 2576 ولاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) لمدة عام، وقرر أن البعثة يجب أن "تشكل فريقا معززا تابعا للأمم المتحدة، قويا ومرئيا" لمراقبة سير اقتراع العاشر من أكتوبر و"الاستمرار في تقديم المساعدة الانتخابية بطريقة تحترم سيادة العراق".

من جهة ثانية، شكلت الأزمة في اليمن واحدة من أبرز القضايا التي استأثرت باهتمام مجلس الأمن، الذي خصص لها كل شهر جلسة عامة، ما عدا شهري يوليوز ونونبر. وهكذا، جدد لمدة عام ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، والتي ترأسها حتى يوليوز المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي خلفه هانس غروندبورغ اعتبارا من شتنبر. وواصل هذا البلد استقبال أهم عملية إنسانية للأمم المتحدة في العالم، وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ممثلا في كل جلسة من الجلسات العامة، وفي بعض الأحيان برفقة وكالة إنسانية أخرى.

وفي أفغانستان، ومع تجديد عقوباته ضد طالبان، اعتمد المجلس بالإجماع في نهاية دجنبر، قرارا ينص على استثناءات إنسانية. وأثار استيلاء حركة (طالبان) على السلطة أسئلة كافية للمجلس ليقرر تمديد تفويض بعثة الدعم التابعة له لمدة ستة أشهر دون تغيير، ريثما يتم إجراء تقييم شامل للوضع، وفقا للمنظمة الدولية. وفي ما يتعلق بقضايا السلام في إفريقيا، خصص المجلس جلستين، في ماي ونونبر، للقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، وهي إطار مؤسساتي تم تشكيله سنة 2014 من قبل موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، والتي بدأت عملها الفعلي سنة 2017. كما صادق على القرار 2584 القاضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما).

وبخصوص عمليات تعزيز السلام في غرب إفريقيا، صادق مجلس الأمن على بيان رئاسي دعا إلى "القضاء على الظاهرة المزعزعة للاستقرار بشكل متزايد" والمتمثلة في العنف الطائفي، وطلب من الأمين العام دراسة إمكانية إرساء "مشروع مدني بشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل وإحدى المنظمات الإقليمية المختصة" لهذه الغاية. وبخصوص جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد مدد مجلس الأمن لمدة عام ولاية بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)، بنفس الولاية ونفس الحد الأقصى للأفراد العسكريين وقوات الشرطة، بما في ذلك فرقة التدخل التابعة لها.

كما كانت متابعة اتفاقية السلام النهائية في كولومبيا بين الحكومة والقوات المسلحة المتمردة "فارك" على قائمة أولويات مجلس الأمن العام الماضي، حيث قررت هيئة الأمم المتحدة تمديد ولاية "بعثة الأمم المتحدة للتحقق في كولومبيا" لمدة عام. وفي 18 فبراير، وبمناسبة الذكرى السادسة لاتفاقات مينسك، قام المجلس بتدارس الوضع في أوكرانيا، بحضور ممثلين عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وفي ما يتعلق بالتهديدات للسلم والأمن الدوليين من جراء الأعمال الإرهابية، اتخذ مجلس الأمن بالإجماع قراره رقم 2610 المتضمن لآلية طويلة مفصلة في 108 نقاط ومرفقين، والذي جدد بموجبه نظام العقوبات على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والقاعدة والأشخاص والجماعات والشركات والكيانات المرتبطة به. وفي سنة 2021، استأنف مجلس الأمن مهامه الميدانية لأول مرة منذ يوليوز 2019. وفي هذا السياق، قام وفد في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر بزيارة إلى النيجر ومالي. كما تميزت هذه السنة باختلاف وجهات النظر بين أعضاء مجلس الأمن بشأن قضية المناخ. فمن أجل الاعتراض على أي دور للمجلس في تدبير هذه الأزمة، استخدمت روسيا، في 13 دجنبر، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار كان من شأنه أن يقود المجلس إلى الأخذ في الاعتبار، بشكل أكثر منهجية، تداعيات تغير المناخ على الأمن. كما صوتت الهند ضده، بينما امتنعت الصين عن التصويت. الأكيد أن هناك العديد من القضايا والإشكاليات التي ستفرض نفسها على المناقشات داخل مجلس الأمن على مدار عام بدأ لتوه بأزمة متفاقمة في إثيوبيا والسودان و"استفزازات متكررة" من جانب كوريا الشمالية من خلال إطلاق العديد من الصواريخ.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.