العيون تحتضن أوسع نقاش إفريقي حول تقييم السياسات والتنمية

انطلقت اليوم الجمعة بمدينة العيون أشغال الدورة العاشرة للجمعية العامة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية، وسط حضور وازن لمسؤولين حكوميين وبرلمانيين أفارقة ومغاربة، في محطة قارية مخصصة لمناقشة سبل تعزيز فعالية السياسات العمومية وتطوير آليات التقييم في سياق التحولات التي تشهدها القارة.

وفي كلمته الافتتاحية، اعتبر جيريمي أدوماهو، رئيس الشبكة، أن اختيار العيون لاحتضان هذا الموعد يحمل دلالة قوية، بالنظر إلى ثقل المشاركة الإفريقية وروح التعاون التي ميزت هذه الدورة. وأبرز أن الشبكة، بعد أحد عشر عاماً من الاشتغال، أضحت إطاراً قارياً يجمع أكثر من 700 برلماني من 29 مؤسسة تشريعية، بالإضافة إلى خمسة برلمانات منضمة بصفة مؤسساتية، مؤكداً أن الفروع الوطنية الأكثر نشاطاً توجد في الكوت ديفوار والكاميرون وزيمبابوي وأوغندا وجنوب إفريقيا وبنين.

وأشار أدوماهو إلى أن التجارب البرلمانية بعدد من الدول—ومن ضمنها المغرب والسنغال وأوغندا وغانا وجنوب إفريقيا—خطت خطوات مهمة نحو مأسسة التقييم باعتباره أداة داعمة للحكامة والشفافية. غير أنه سجل في المقابل استمرار عدد من التحديات، من بينها ضعف الموارد المالية وتفاوت درجات انخراط البرلمانات الإفريقية، إلى جانب الصعوبات المرتبطة بتفعيل الفروع الوطنية وتطوير أدوات مشتركة للتقييم. وأوضح أن هذه الدورة شهدت تقييم الخطة الاستراتيجية للشبكة وتعديل أنظمتها الداخلية خلال اجتماع احتضنته الدار البيضاء، تمهيداً لمرحلة تنظيمية أكثر فعالية.

وخلال الجلسة ذاتها، أشادت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بأهمية توسيع ثقافة التقييم داخل المؤسسات الإفريقية، معتبرة أن التعاون بين البرلمانات وأجهزة الرقابة يشكل ركيزة أساسية لترسيخ الحكامة الجيدة. وأكدت أن التجربة المغربية في التفاعل بين المجلس الأعلى للحسابات والبرلمان تقدّم نموذجاً يحتذى به، خصوصاً في ما يتعلق بترسيخ آليات الاستشارة وتوجيه القرار العمومي وفق معطيات دقيقة.

كما دعت العدوي إلى تطوير أدوات تقييم مبتكرة تستند إلى المعلومات الموثوقة، لتمكين البرلمانات من قراءة أوضح لجدوى البرامج العمومية، معتبرة أن التقييم لم يعد مجرد آلية للمساءلة، بل أضحى خياراً مؤسساتياً ضرورياً للاستباق وتدبير المخاطر، في انسجام مع طموحات أجندة إفريقيا 2063.

من جهته، سلط نزار بركة، وزير التجهيز والماء، الضوء على التحولات التنموية التي عرفتها الأقاليم الجنوبية خلال السنوات العشر الأخيرة، في إطار النموذج التنموي الخاص بهذه المناطق. وأوضح أن المشاريع المهيكلة، من قبيل طريق تزنيت–الداخلة السريع وميناء الداخلة الأطلسي ومحطات تحلية المياه، ساهمت في تحسين مؤشرات العيش وتعزيز الجاذبية الاقتصادية للمناطق الجنوبية، ما يجعلها اليوم فضاءً مثالياً للتعاون الإفريقي–الإفريقي في مجال الاستثمار والبنيات التحتية.

وفي مداخلته، شدد كريم زيدان، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، على أن احتضان العيون لهذه الدورة يعكس المكانة التي أصبحت تحظى بها المدينة كفضاء مؤسساتي منفتح على التعاون القاري. وأبرز أن المغرب قطع أشواطاً مهمة في ترسيخ ثقافة التقييم منذ دستور 2011، عبر تعزيز الالتقائية في البرامج الحكومية وتطوير آليات تتبع المشاريع الترابية، ما أسهم في تحسين أثر السياسات العمومية على المواطن.

وأشار زيدان إلى أن الميثاق الجديد للاستثمار يقدم نموذجاً واضحاً لتفاعل التقييم مع اتخاذ القرار، من خلال تحفيز خلق فرص الشغل وتقليص التفاوتات المجالية وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات المستقبلية. كما شدد على ضرورة تعزيز التعاون بين البرلمانات والحكومات ومؤسسات الحكامة من أجل بناء منظومة تقييم قارية قوية قادرة على دعم التكامل الاقتصادي.

أما عمر حجيرة، كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، فأكد أن اختيار العيون لاحتضان هذا الحدث يعكس الثقة في الدينامية التنموية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية. وأبرز التطور المتسارع في المبادلات التجارية بين المغرب والدول الإفريقية، والتي نمت بنسبة 49 بالمائة خلال العقد الأخير، إلى جانب إطلاق برنامج “التجارة الخارجية في خدمة التشغيل والنمو” للفترة 2025–2027 الهادف إلى دعم المقاولات وتوسيع الأسواق الإفريقية.

وختم حجيرة بتأكيد أن المغرب سيواصل تعميق الشراكات داخل فضاء التجارة القارية الإفريقية، لا سيما مع تنظيم النسخة الثانية من منتدى الأعمال لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بمراكش في دجنبر 2025، داعياً إلى تعزيز آليات التقييم باعتبارها أداة جوهرية لضمان نجاح السياسات التنموية في القارة.

بهذه المداخلات، رسّخت الدورة العاشرة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية مكانة العيون كمنصة إفريقية للنقاش المؤسساتي حول الحكامة والتقييم، وفضاء لتقاسم التجارب وتطوير أدوات مشتركة قادرة على مواكبة الطموحات التنموية للقارة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *