قدّم كريم زيدان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، خلال كلمة ألقاها اليوم الجمعة بمدينة العيون، رؤية شاملة حول دور التقييم في توجيه الاستثمار وتعزيز التنمية بالقارة الإفريقية، وذلك خلال أشغال الجمعية العامة السنوية العاشرة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية.
واستهل الوزير كلمته بالتأكيد على رمزية احتضان مدينة العيون لهذا الموعد القاري، باعتبارها جسرا للتعاون الإفريقي وإحدى الواجهات التي تعكس التزام المغرب الدائم بقضايا القارة، انسجاما مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تقوية الشراكات جنوب–جنوب وجعلها رافعة للتنمية المشتركة.
وأشار الوزير إلى أن الاجتماع ينعقد في سياق دولي يتسم بتحولات متسارعة وتحديات متزايدة، ما يستدعي تعزيز فعالية الفعل العمومي، وتكريس حضور المواطن في جميع مراحل صياغة السياسات العمومية، من الإعداد إلى التقييم. وشدد على أن بلوغ أهداف التنمية، سواء على المستوى الوطني أو في إطار أجندة إفريقيا 2063، يتطلب سياسات عمومية ذات أثر ملموس على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد أن شبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية تشكل نموذجاً للعمل المشترك، بالنظر إلى دورها في تقوية الرقابة البرلمانية وتجويد القرار العمومي، مبرزا أن التقاء الممارسات الديمقراطية مع التنمية يشكل إحدى الركائز الأساسية للنهوض بالقارة.
وتوقف الوزير عند تجربة المغرب في هذا المجال، موضحاً أن دستور 2011 أسّس لمنظومة متقدمة للحكامة، من خلال تقوية الأطر القانونية والمؤسساتية وتحديث الإدارة ورقمنة الخدمات. وأضاف أن إحداث وزارة الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية جاء لترسيخ التقييم كرافعة لتحسين الأداء العمومي وضمان انسجام البرامج الحكومية.
وأشار إلى أن سياسة الاستثمار الجديدة بالمغرب تُجسد هذه الرؤية، إذ تم إعدادها بناء على تقييم شامل للسياسات السابقة، والاستناد إلى محددات اقتصادية واضحة ترتكز على تحفيز الاستثمار الخاص، وتوفير بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة. وأبرز أهمية الميثاق الجديد للاستثمار، المعتمد منذ دجنبر 2022، والذي يقوم على دعم خلق مناصب الشغل، وتقليص الفوارق المجالية، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات المستقبلية.
ولفت إلى أن الإصلاحات المرتبطة بالاستثمار تحظى بدعم سلسلة من التدابير الهادفة إلى تحسين مناخ الأعمال، من بينها خارطة الطريق 2023-2026 التي تضم 46 إجراءً استراتيجياً، مؤكدا أن هذه الإصلاحات تنسجم مع التزام المملكة بتنزيل النموذج التنموي الجديد.
وأبرز الوزير أهمية الانتقال من النظرة التقليدية للتقييم باعتباره رقابة لاحقة إلى اعتباره أداة استشرافية توجه الاستثمار وتمنح المستثمرين رؤية واضحة حول العوائد والقطاعات الواعدة. وأشار إلى أن التقييم الشفاف للبرامج الحكومية يساهم في تقوية ثقة الفاعلين الاقتصاديين، وفي تحسين جودة السياسات المرتبطة بالتكوين والابتكار والبنيات التحتية.
واعتبر الوزير أن تعزيز فعالية السياسات التنموية بالقارة يتطلب اعتماد آليات للتفكير الأفقي والاستشراف، وتكثيف التعاون بين الحكومات والمؤسسات الإقليمية، وتوفير تمويلات لبرامج بناء القدرات، إلى جانب مراجعة أساليب صياغة السياسات بما يضمن الالتقائية والحكامة الجيدة.
وختم بالتأكيد على أن تطوير منظومة التقييم بإفريقيا مسؤولية مشتركة بين البرلمانات والحكومات ومؤسسات الرقابة والمجتمع المدني، لاسيما وأن القارة تتوفر على إمكانات استثمارية كبيرة، وتحتاج إلى سياسات تنبثق من حاجياتها التنموية وتستجيب للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.