وجّه الائتلاف المدني من أجل الجبل نداءً وطنيا دعا فيه إلى إطلاق مرحلة جديدة من السياسات التنموية المنصفة، تفاعلا مع الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية للبرلمان، والذي خصص حيزا هاما لقضايا العدالة الاجتماعية والمجالية، ودعا إلى إعادة النظر في سياسات تنمية المناطق الجبلية والواحات، باعتبارها مجالات حيوية لا تزال تعاني من الهشاشة والتفاوتات.
وأكد الائتلاف، في بلاغ توصلت به «بلبريس»، أن الخطاب الملكي يشكل “محطة فارقة لإعادة ترتيب أولويات التنمية بالمغرب، ويفتح نقاشا وطنيا جديدا حول علاقة الدولة بالمجالات المهمشة وضرورة بلورة جيل جديد من البرامج الترابية المنصفة”، وشدد على أن قضية الجبل “ليست قضية فئة أو مجال محدود، بل رهان وطني يهم مستقبل العدالة بالمغرب”.
وأوضح البلاغ أن هذا النداء يأتي في لحظة دقيقة تتصاعد فيها مظاهر الاحتقان والغضب الشعبي بسبب تراكم اختلالات التنمية وغياب الإنصاف في توزيع الثروة وتكافؤ الفرص، مبرزا أن الإشارات الملكية الأخيرة تقتضي تحولا في طرق التفكير والعمل، من خلال اعتماد سياسات مندمجة تراعي الخصوصيات المجالية للمناطق الجبلية وتعيد التوازن بين مختلف المجالات.
ودعا الائتلاف إلى إقرار إطار قانوني ملزم للعدالة المجالية في الجبال، عبر إصدار تشريع خاص يحدد بدقة المجال الجبلي، ويلزم الدولة والجماعات الترابية بوضع سياسات تنموية تراعي خصوصياته البيئية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما اقترح إنشاء هيئة وطنية لتنمية المناطق الجبلية وصندوق تمويل خاص، مع اعتماد مؤشرات دقيقة لقياس أثر البرامج العمومية على حياة الساكنة.
وشدد البلاغ على أن العدالة المجالية لا تتحقق فقط من خلال توزيع المشاريع، بل أيضا عبر توزيع السلطة والفرص وضمان مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار المحلي.
وفي هذا السياق، دعا إلى اعتماد منهجية تشاركية حقيقية في إعداد البرامج التنموية الجديدة، تضمن حضور الفاعلين المحليين والمجتمع المدني والشباب، وتستند إلى تشخيص ميداني واقعي بدل المقاربات المركزية الجاهزة.
كما توقف النداء عند ضرورة استعادة الثقة والمصالحة مع المجالات الهشة، من خلال الإنصات الجاد والتجاوب المسؤول مع المطالب الاجتماعية والشبابية، ومعالجة الملفات العالقة التي ما زالت تثقل ذاكرة هذه المناطق.
ومن بين الإجراءات التي دعا إليها: إطلاق سراح معتقلي حراك جبال الريف وكل المعتقلين على خلفية احتجاجات اجتماعية سلمية، وإنصاف ضحايا زلزال الأطلس الكبير عبر مراجعة شاملة لسياسة إعادة الإعمار، التي اعتبر أنها لم تشمل جميع المتضررين ولم تحقق بعد العدالة المنشودة.
واعتبر الائتلاف أن هذه الإجراءات ليست فقط مطالب حقوقية، بل “شروط ضرورية لتجسيد إرادة حقيقية للمصالحة الوطنية وبناء الثقة من خلال ربط العدالة المجالية بالعدالة الاجتماعية”.
وأكد البلاغ أن الخطاب الملكي أشار بوضوح إلى أن “العدالة الاجتماعية والمجالية ليست شعارا مرحليا بل توجها استراتيجيا”، ومن هذا المنطلق، دعا الائتلاف البرلمان إلى جعل قانون الجبل أولوية تشريعية عاجلة، والحكومة إلى وضع برامج واقعية منسجمة مع التوجيهات الملكية ومطالب الساكنة، والجهات والجماعات الترابية إلى إدماج العدالة المجالية في مخططاتها وبرامجها، كما دعا المجتمع المدني والإعلام إلى تأطير النقاش العمومي ومواكبة التنفيذ بالمراقبة والمساءلة.
وختم الائتلاف بلاغه بالتأكيد على أن “العدالة للجبل هي العدالة للمغرب كله، والإنصات للشباب هو الضمان الحقيقي لاستقرار الوطن ومستقبله”، داعيا إلى تحويل اللحظة التي رسم ملامحها الخطاب الملكي إلى منعطف نحو مصالحة وطنية شاملة تعيد الكرامة للمجالات الهشة وتفتح أفقا جديدا لمغرب المساواة والعدالة والثقة.