شهدت عدة مدن مغربية خلال أواخر شهر شتنبر 2025 خروج عدد كبير من الشباب إلى الشوارع في تظاهرات سلمية دعت إليها حركة أطلقت على نفسها اسم “جيل زيد 212”، وهي مبادرة شبابية غير مؤطرة حزبياً ولا منتمية لأي تيار سياسي.
وجاءت هذه الحركة في سياق إقليمي ودولي تميز بصعود حركات احتجاجية مماثلة يقودها جيل الشباب، عبر دعوات انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”إنستغرام” و”ديسكورد”، حيث يتفاعل عشرات الآلاف من المتابعين.
وتركزت مطالب المحتجين على قضايا معيشية واجتماعية، أبرزها إصلاح منظومتي التعليم والصحة، ومحاربة الفساد، ومنذ أولى الدعوات إلى التظاهر، شدد منظمو الحركة ومتعاطفوها على سلمية الاحتجاجات ورفضهم لأي شكل من أشكال العنف أو التخريب، مؤكدين أن هدفهم هو التعبير عن تدهور الأوضاع الاجتماعية، وليس الصدام مع السلطات.
وكانت الشعارات المرفوعة خلال المسيرات ذات طابع اجتماعي واضح، تدعو إلى إعادة ترتيب الأولويات الحكومية بما يخدم القطاعات الأساسية كالصحة والتعليم، بدل التركيز على مشاريع اعتبرها المحتجون رمزية أو استعراضية.
واستعار المحتجون عبارة “مغرب يسير بسرعتين” التي وردت في خطاب جلالة الملك محمد السادس، معتبرين أن هناك فجوة متزايدة بين الفئات الميسورة والمحرومة، وبين المدن الكبرى والمناطق المهمشة.
وعبّر العديد من الشباب عن استيائهم من ما وصفوه بـ”الاختلال في توزيع الاهتمام والاستثمار”، مشيرين إلى أن المغرب يستعد لاستضافة تظاهرات رياضية كبرى ويستثمر في البنيات التحتية الخاصة بها، في وقت يعاني فيه المواطن من ضعف الخدمات الصحية وصعوبة الولوج إلى تعليم جيد وفرص عمل مستقرة.
وأكد عدد منهم أن الاحتجاج لا يستهدف شخصيات أو مؤسسات بعينها، بل يسعى إلى إثارة نقاش وطني حول العدالة الاجتماعية والكرامة والإنصاف في توزيع الموارد.
لكن اللافت في هذه الاحتجاجات، وفق مراقبين ومواطنين، هو الطابع الهادئ والمنظم الذي طبع تحركات الشباب رغم غياب أي إطار تنظيمي أو تأطير حزبي.
وقد أثارت هذه الدينامية الجديدة نقاشاً واسعاً حول وعي هذا الجيل، الذي اعتقد كثيرون أنه منشغل بالتفاهة ومبتعد عن الشأن العام، قبل أن يظهر انخراطاً واعياً ومسؤولاً في قضايا الوطن.
هذا الوعي، كما يرى بعض المتتبعين، جاء من خارج المنظومة السياسية التقليدية، بعدما فشلت الأحزاب في تأطير الشباب أو استيعاب تطلعاتهم في برامجها وخطاباتها.
ويمثل جيل زيد اليوم كتلة سكانية وازنة داخل المجتمع المغربي، إذ تتراوح أعمارهم بين 13 و28 سنة، ويقدر عددهم بحوالي 9.6 ملايين شاب وشابة، أي ما يعادل ربع سكان المملكة.
وتكاد الأعداد تتقارب بين الذكور والإناث، في توازن يعكس تمثيلية اجتماعية شاملة لهذه الفئة، غير أن حضورهم الكمي لا يقابله تمكين فعلي على مستوى سوق الشغل أو المشاركة في الحياة العامة.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدل البطالة وسط الفئة العمرية بين 15 و24 سنة بلغ 35.8 في المائة، فيما وصل إلى نحو 21.9 في المائة لدى من تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، وهي نسب مرتفعة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشباب.
وإضافة إلى البطالة، يواجه عدد كبير من الشباب تحديات أخرى مرتبطة بصعوبة متابعة الدراسة أو الحصول على تكوين مهني مؤهل، حيث تقدر المؤسسات الرسمية عدد من لا يشتغلون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين مهني بنحو مليون ونصف شاب، وهي فئة مهددة بالإقصاء والتهميش.
في المقابل ساهمت هذه الأوضاع في تأجيج الشعور بالإحباط وفقدان الثقة في جدوى العمل السياسي، ما جعل شبان “جيل زيد” يختارون العالم الرقمي كفضاء بديل للتعبير والنقاش والتنظيم.
فبفضل منصات التواصل الاجتماعي، استطاعت الحركة أن تجمع آلاف المتابعين وأن تنسق تحركاتها دون قيادة مركزية أو هياكل تقليدية، في نمط احتجاجي جديد يعكس خصائص هذا الجيل الذي يجمع بين الحس التواصلي العالي والقدرة على التنظيم الذاتي.
وتطرح تجربة “جيل زد 212” اليوم أسئلة عميقة حول العلاقة بين الدولة والشباب، ومستقبل الفعل السياسي في المغرب، في ظل جيل رقمي أكثر وعياً بحقوقه، وأكثر مطالبة بالمحاسبة والشفافية.
فهي ليست فقط تعبيراً عن ضيق اجتماعي، بل أيضاً عن تحوّل ثقافي في نظرة الشباب إلى المشاركة المدنية والمطالبة بالتغيير، بعيداً عن الأطر التقليدية التي فقدت بريقها.
وفي تطور لافت بعد أيام من انطلاق الاحتجاجات، أصدر شباب “جيل زد” يوم الخميس 2 أكتوبر 2025 وثيقة مطلبية شاملة، قرروا توجيهها مباشرة إلى جلالة الملك محمد السادس، متجاوزين بذلك كل المؤسسات الوسيطة من حكومة وبرلمان وأحزاب سياسية.
إذ افتتح الشباب وثيقتهم بخطاب موجَّه إلى الملك، عبّروا فيه عن معاناتهم من صعوبة الأوضاع المعيشية والفجوة بين الحقوق الدستورية والممارسة الواقعية، مؤكدين ثقتهم في المؤسسة الملكية كضامن لوحدة الوطن وصون كرامة المواطنين.
وتضمنت الوثيقة تسعة مطالب رئيسية، أبرزها الدعوة إلى إقالة الحكومة الحالية استناداً إلى الفصل 47 من الدستور، معتبرين أنها فشلت في حماية القدرة الشرائية وضمان العدالة الاجتماعية.
كما دعت الوثيقة إلى إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، دون استثناء أي جهة أو مسؤول. وطالب الشباب كذلك بحل الأحزاب المتورطة في الفساد، وتفعيل دور القضاء الدستوري في ضمان نزاهة الحياة السياسية.
وشملت المطالب أيضاً تعزيز المساواة وتكافؤ الفرص في التعليم والصحة والشغل، ووقف التضييق على حرية التعبير والاحتجاج السلمي، إلى جانب الإفراج عن جميع المعتقلين المرتبطين بالحركات الاجتماعية أو بقضايا الرأي، استناداً إلى فصول دستورية تضمن حرية الاجتماع والتظاهر.
وفي مطلب غير مسبوق، دعا الشباب إلى عقد جلسة وطنية علنية للمساءلة برئاسة جلالة الملك، معتبرين أن هذه الخطوة ستكون بمثابة محطة تاريخية لإرساء مبدأ المحاسبة الفعلية وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وأكدت الوثيقة أن الهدف ليس الانتقام، بل الإصلاح العميق الذي يكرّس العدالة ويسترجع ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
واختتم شباب “جيل زيد” وثيقتهم بتأكيد فقدانهم الثقة في الحكومة والأحزاب والبرلمان، معتبرين أن هذه المؤسسات لم تعد قادرة على أداء أدوارها الدستورية، وأن تجاوزها أصبح ضرورة لإطلاق مرحلة جديدة قوامها الشفافية والمسؤولية.
وشددوا على أن رسالتهم إلى الملك تعبّر عن إرادة جيل جديد يؤمن بالإصلاح من داخل الدولة، ويرفض استمرار الفساد واللامسؤولية، آملاً في مغرب أكثر عدلاً وإنصافاً.