شهد المشهد السياسي المغربي خلال الاسبوع المنصرم تحركات ميدانية مكثفة لقادة الأحزاب السياسية، الذين عقدوا لقاءات تواصلية مع القواعد الحزبية في مدن وجهات متفرقة.
ويرى مراقبون للشأن السياسي والحزبي بالبلاد أن هذه التحركات الميدانية المكثفة في رقع جغرافية متباعدة وفي فترات زمنية شبه متزامنة، تعكس انطلاقة فعلية لحملات انتخابية مبكرة تقودها هذه الأحزاب عبر توجيه رسائل لخصومها وتعبئة الصف الداخلي لكل حزب على حدة.
هذه التحركات الميدانية وإن بدت غير متناسقة نظرا لطبيعة الملفات التي عالجتها كل هيئة حزبية في نشاطها، إلا أنها تنذر بمنافسات شرسة بدت أولى معالمها تتجلى من خلال هذا التراشق السياسي بين القيادات الحزبية.
أخنوش: نتشبث بتنزيل الإنجازات الحكومية ونرفض هدر الزمن السياسي
بداية هذه الأنشطة مع حزب التجمع الوطني للأحرار الذي اختار مدينة مراكش لعقد لقاء حزبي في إطار الجولة التواصلية “مسار الإنجازات”، يوم السبت 20 شتنبر 2025، ليبعث رسائل إلى خصومه السياسيين، حيث أبدى رئيس الحزب ورئيس الحكومة، عزيز اخنوش، تمسك الحزب بنزيل الالتزامات الحكومية.
كلمة أخنوش، وباقي قادة الحزب على رأسهم الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، ركزت بالأساس على “عدم الاكتراث لتشويشات الأحزاب الأخرى، خاصة حزب العدالة والتنمية، إذ اختار الحزب أن يذكر “البيجيدي أنه “لن يكترث للانتقادات، بل سيمضي في تنزيل المشاريع الحكومية الكبرى وتفادي هدر الزمن السياسي”.
لم يكتف رئيس “الأحرار” في كلامه خلال التجمع الحزبي بسرد الإنجازات، بل استغل المناسبة ليقرع حزب العدالة والتنموية ويذكره بما خلفه من تركة ثقيلة للحكومة الحالية في مجالات متعددة على رأسها الصحة، سعت حكومته الحالية لتداركه عبر مشاريع هيكلية وبنيوية أعادت تغيير ملامح عدة قطاعات”.
بركة: رسائل سياسية للأحزاب وأعداء الوحدة الترابية
وفي آخر نقطة حدودية في الصحراء المغربية، مدينة السمارة حاضرة التاريخ والمنارة الروحية للأقاليم الجنوبية وأولى مدن الصحراء، اختار حزب الاستقلال أن يترجم مرجعيته التاريخية المقرونة بمقاومة المستعمر والذود عن الوحدة الوطنية، وبتنظيم لقاء تواصلي ضخم ضم مستشارين وبرلمانيين ومنتخبين عن الحزب حجوا جميعا إلى مدينة السمارة ليقولوا كلمة واحدة، وبصوت عال “ألا حل لملف الصحراء خارج الحكم الذاتي”.
ولوحظ في الخطاب الذي اعتمده قادة “الميزان”، وعلى رأسهم أمينه العام، نزار بركة، نهاية الأسبوع المنصرم، ابتعاده عن التراشق السياسي قدر الإمكان واكتفاؤه بالتركيز على الأهداف والسياسات العمومية الجهوية والتنموية التي يمكن أن تنهض بالأقاليم الجنوبية.
كما لم يفوت حزب بركة الفرصة من أجل مد يد بيضاء إلى ساكنة المخيمات المحتجزين من طرف جبهة البوليساريو، بدعوتهم إلى العودة إلى أرض الوطن، حيث شدد نزار بركة الأمين العام للحزب على أن طي ملف الصحراء لن يكون إلا بحل وحيد وأوحد هو مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب.
لشكر: نراهن على حسم ملف الصحراء مع نهاية 2025
غير بعيد عن السمارة، حل الكاتب الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر بمدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء، يومي 19 و20 شتنبر الجاري، لترأس أشغال المؤتمر الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة العيون تحت شعار : “معبؤون، ملتزمون ومصطفون ربحا لرهان التنمية والوحدة الترابية”.
وكان واضحا من خلال شعار المؤتمر، أنه لم يكن مجرد محطة تنظيمية عابرة، بل فرصة ليبعث حزب “الوردة” رسائل مبطنة مفادها أن الحزب يراهن على تنمية المناطق الجنوبية في برنامجه الانتخابي، ويجعل صلب اهتماماته الانخراط الفاعل في آليات وتدابير طي النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، مستثمرا “علاقاته العابرة للقارات مع اشتراكيي العالم”.
ودعا الكاتب الأول خلال اللقاء المذكور “المنتظم الدولي وأصدقاء المغرب إلى اتخاذ موقف حازم وحاسم عبر سحب ملف الصحراء المغربية من اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة، انسجاما مع مواقفها الواضحة والداعمة لمغربية الصحراء ولمشروع الحكم الذاتي”.
اوزين: سننقل انشغالات المواطنين بأمانة ونترافع عنها
لم تقف التحركات الحزبية الميدانية المكثفة عند الأحزاب الثلاثة السالف ذكرها، بل كان لحزب الحركة الشعبية نصيب منها، حيث اختار أمينه العام وقياداته توجيه ترسانتهم التواصلية إلى جهة درعة تافيلالت وجهة الشرق، إذ قام الأمين العام للسنبلة، محمد أوزين بزيارة ميدانية في غضون اليومين الماضيين، إلى حاضرة تالسينت بعمالة فكيك؛ وببلدة كرامة بعمالة اقليم ميدلت.
بدوره لم يلتفت حزب أوزين إلى شيء غير المواطنين، حيث شدد الحزب على لسان أمينه العام، على أن “هذا اللقاء كان محطة قوية للتفاعل مع الساكنة، والإنصات لنبضها، وتسليط الضوء على معاناة العالم القروي الذي يرزح تحت وطأة الخصاص في البنيات التحتية والخدمات الأساسية، وأن صوت المواطن في قلب أولويات الحزب، وأن معركة العدالة المجالية والتنمية المتوازنة ستظل خياراً ثابتاً في مشروعها السياسي”.
واعتبر أوزين أنها “لقاءات صادقة تنقل معاناة الساكنة وما تعانيه المنطقة من خصاص في عدد من البنيات الأساسية، إضافة إلى القضايا المرتبطة بالأراضي السلالية”، مؤكدا على “التزامات حزبه بنقل هذه الانشغالات بكل أمانة وصدق، والترافع عنها بما تستحقه من عناية واهتمام”.
بنكيران: حكومة بلا مشروعية
من جانبه، اختار حزب العدالة والتنمية مدينة القنيطرة منصة لرسائله السياسية، حيث وجه الأمين العام للبيجيدي، عبد الإله بنكيران سهام الانتقاد إلى الحكومة والاحزاب المختلفة معه.
وانتقد الأمين العام للحزب، بشدة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، مشيراً إلى ما وصفه بـ”تضارب المصالح داخل الحكومة ورئاستها”، ووصل إلى اتهام الحكومة بـ”فقدانها للمشروعية”.
بنكيران فتح النار على جميع الجبهات، إذ لم يقف عند التراشق مع أحزاب سياسية، بل تعداه إلى انتقاد الحكام العرب ومخرجات لقائهم في القمة العربية بالدوحة مؤخرا، مؤكدا أن “بيان القمة لم يرق إلى مستوى تطلعات الشعوب، حيث كان حريا بها قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني”.
كما انتقد بنكيران “توزيع الدعم المالي الذي قامت به الحكومة لتخفيض أسعار اللحوم والأغنام، معتبراً أن ذلك لم يحقق أي نتائج ملموسة قائلا:”ما من شيء تم، ولم تنخفض الأسعار، والنقود التي وُزّعت كانت لضمان الأصوات في الانتخابات المقبلة فقط لا غير”.
الأيام المقبلة كاشفة
بين هذا الحزب وذاك، تبقى هذه التحركات الميدانية دليلا واضحا من طرف هذه الأحزاب على أن الأيام القادمة ستشهد احتدام التدافع على رقعة الانتخابات، في محاولة من كل حزب لتوسيع خزانه الانتخابي، فيما يبقى الزمن هو الكفيل بالكشف عما ستسفر عنه هذه المنافسات التي بدأت قبل أوانها.