في كل محطة انتخابية، يعود السؤال نفسه إلى الواجهة: هل تحترم الأحزاب السياسية المغربية المبادئ الديمقراطية وتطبيقها في تدبير شؤونها ؟ وهل تلتزم بالمبدإ الدستوري الخيار الديمقراطي كرابع ثوابت البلاد ؟،هل تدبر شؤونها وفق ،فعلت وهل العلاقة بين المواطن وهذه الأحزاب علاقة ثقة وتعاقد ديمقراطي حقيقي، أم أنها مجرد “عشق ممنوع” فرضته الضرورة، لا الرغبة؟
رغم التقدم النسبي الذي عرفه المسار الديمقراطي بالمغرب، إلا أن واقع التزام الاحزاب السياسية بالديمقزاطية يظل محاطًا بالكثير من الشكوك. فالمواطن لا يزال، في كثير من الأحيان، ينظر إلى الأحزاب كوسائط غير فعّالة، تمارس السياسة بمنطق الحسابات الضيقة بدل خدمة الصالح العام. هذه الصورة، التي ترسخت عبر سنوات من التراجع في الأداء السياسي، تُعمّق الفجوة بين القاعدة والفاعل الحزبي، وتحول دون ترسيخ فعل انتخابي ديمقراطي أصيل.
الأحزاب السياسية مطالَبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتجديد نفسها من الداخل، ليس فقط من خلال تحسين خطابها السياسي، بل عبر الممارسة الفعلية للدمقرطة داخل أجهزتها، وتكريس الشفافية في اختيار مرشحيها، وتبني الكفاءة والتمثيلية الحقيقية بدل الولاءات الفوقية.
لكن الواقع يكشف عن عوائق بنيوية تعرقل هذا التحول، من أبرزها تحكّم النخب التقليدية في مفاصل القرار الحزبي، وغياب آليات حقيقية لتجديد النخب وتمكين الشباب والنساء من لعب أدوار ريادية داخل الأحزاب. ورغم وجود قوانين تحفز على التعددية والتمثيلية، فإن تفعيلها غالبًا ما يصطدم بحسابات انتخابوية ضيقة.
من جهة أخرى، يظل الفعل الانتخابي في المغرب رهين “المواسم السياسية”، حيث لا يظهر الحضور الحزبي إلا مع اقتراب الاستحقاقات. وفي ظل هذا الموسمية السياسية، يصعب الحديث عن فعل انتخابي ديمقراطي نابع من تربية مدنية حقيقية. فالمواطن، الذي يُستدعى مرة كل خمس سنوات للتصويت، لا يلمس أثرًا ملموسًا للمنتخبين في حياته اليومية، ما يكرّس اللامبالاة والانفصال عن السياسة.
ورغم كل هذا، فإن الفرصة ما زالت قائمة. فالإرادة الملكية، التي تؤكد في كل مناسبة على ضرورة تخليق الحياة السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة، تُعد أرضية مهمة لدفع الأحزاب نحو القيام بأدوارها الحقيقية. كما أن التحولات الاجتماعية والثقافية تفرض على الأحزاب الانخراط في مرحلة جديدة، تكون فيها الشفافية والمصداقية مفتاحًا لاستعادة ثقة المواطن.
في نهاية المطاف، دمقرطة الفعل الانتخابي ليست مجرد شعارات تُرفع في الحملات الانتخابية، بل هي التزام يومي من الأحزاب تجاه المواطن، وامتحان حقيقي لمدى قدرتها على إعادة تعريف علاقتها بالناس، ليس كأداة للهيمنة أو التوجيه، بل كشريك في صياغة القرار السياسي.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع الأحزاب في المغرب تحويل “العشق الممنوع” بينها وبين المواطن إلى علاقة شرعية، متينة، قائمة على الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة؟ أم أن الفجوة ستظل تتسع، ويظل الفعل الانتخابي رهينة لمظاهر شكلية بلا روح ديمقراطية حقيقية؟