الأحزاب السياسية والإنتخابات والدمقرطة:”العشق الممنوع”؟

في كل محطة انتخابية، يعود السؤال نفسه إلى الواجهة: هل تحترم الأحزاب السياسية المغربية المبادئ الديمقراطية وتطبقها في تدبير  شؤونها؟ وهل تلتزم بمضمون المبدإ الدستوري الخيار الديموقراطي كرابع ثوابت البلاد ؟ وإلى آي  حد تسير آمورها وفق المبادى الديمقراطية كما نصت على ذللك  المادة 25 من القانون التنظيمي للاحزاب السياسية رقم 11- 29 ؟ وهل  علاقتها مع  المواطن علاقة ثقة وتعاقد ديمقراطي حقيقي، أم أنها مجرد “عشق ممنوع” فرضته الضرورة لا الرغبة، وهل ستجسد المؤسسات الدستورية المرتقبة الإرادة الملكية الراسخة في إعطاء المسار الديمقراطي طريقه القويم كخيار لا رجعة فيه مهما تكن دقة التحديات الوطنية والدولية كما جاء في إحدى الخطابات الملكية؟

نطرح هذه الأسئلة بعد دعوة الخطاب الملكي وزير الداخلية للإشراف على تنظيم الانتخابات في آجالها الدستورية والقانونية لتكون عُرسا ديمقراطيا حقيقيا وليس شكليا، لانه  رغم التقدم النسبي الذي عرفه المسار الديمقراطي بالمغرب، إلا أن واقع التزام الأحزاب السياسية بالمبادئ الديمقراطية يظل محاطًا بالكثير من الشكوك.

فالمواطن لا يزال، في كثير من الأحيان، ينظر إلى الأحزاب كوسائط غير فعّالة، تمارس السياسة بمنطق الحسابات الضيقة بدل خدمة الصالح العام، وهي الصورة، التي ترسخت عبر سنوات من التراجع في الأداء السياسي، تُعمّق الفجوة بين القاعدة والفاعل الحزبي، وتحول دون ترسيخ فعل انتخابي ديمقراطي أصيل.

وفي ظل الأوضاع العامة الوطنية، الاجتماعية منها والاقتصادية، التي تعرفها البلاد، والتحديات الجيو -سياسية التي تنتظرها، فالأحزاب السياسية مطالَبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بدمقرطة نفسها من الداخل، ليس فقط من خلال تحسين خطابها السياسي، بل عبر الممارسة الفعلية للدمقرطة داخل أجهزتها، وتكريس الشفافية في اختيار مرشحيها، وتبني الكفاءة والتمثيلية الحقيقية بدل الولاءات الفوقية.

لكن الواقع يكشف عن عوائق بنيوية تعرقل هذا التحول، من أبرزها تحكّم النخب التقليدية في مفاصل القرار الحزبي، وغياب آليات حقيقية لتجديد النخب وتمكين الشباب والنساء من لعب أدوار ريادية داخل الأحزاب. ورغم وجود قوانين تحفز على التعددية والتمثيلية، فإن تفعيلها غالبًا ما يصطدم بحسابات انتخابوية ضيقة.

من جهة أخرى، يظل الفعل الانتخابي في المغرب رهين “المواسم السياسية”، حيث لا يظهر الحضور الحزبي إلا مع اقتراب الاستحقاقات. وفي ظل هذا الموسمية السياسية، يصعب الحديث عن فعل انتخابي ديمقراطي نابع من تربية مدنية حقيقية. فالمواطن، الذي يُستدعى مرة كل خمس سنوات للتصويت، لا يلمس أثرًا فعليا للمنتخبين في حياته اليومية، ما يكرّس اللامبالاة والانفصال عن السياسة.

ورغم كل هذا، فإن الفرصة ما زالت قائمة. فالإرادة الملكية، التي تؤكد في كل مناسبة على ضرورة تخليق الحياة السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة، تُعد أرضية مهمة لدفع الأحزاب نحو القيام بأدوارها الحقيقية. كما أن التحولات الاجتماعية والثقافية تفرض على الأحزاب الانخراط في مرحلة جديدة، تكون فيها الشفافية والمصداقية مفتاحًا لاستعادة ثقة المواطن.

إن دمقرطة الفعل الانتخابي ليست مجرد شعارات تُرفع في الحملات الانتخابية، بل هي التزام يومي من الأحزاب تجاه المواطن، وامتحان حقيقي لمدى قدرتها على إعادة تعريف علاقتها بالناس، ليس كأداة للهيمنة أو التوجيه، بل كشريك في صياغة القرار السياسي.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع الأحزاب في المغرب تحويل “العشق الممنوع” بينها وبين المواطن إلى علاقة شرعية، متينة، قائمة على الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة والمبادئ الديمقراطية؟ أم أن الفجوة ستظل تتسع، ويظل الفعل الانتخابي رهينة لمظاهر شكلية بلا روح ديمقراطية حقيقية؟

وهو ما دأب جلالة الملك محمد السادس يؤكد عليه مرارا: “‏ألا ديمقراطية بدون ديمقراطيين وان الديمقراطية طريق شاق وطويل وليست ميدانا صوريا لحرب المواقع بل هي مواطنة ملتزمة وممارسة لا محيد عنها لحسن تدبير الشان العام ولا سيما المحلي منه. ولا يمكن تحصينها إلا بترسيخ ثقافة المواطنة المنوط الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني وبتحسين الأحوال المعيشية للمواطن حتى يلمسها في واقعه اليومي.””

كما نبه جلالته إلى أنه :”كيفما كان تركيب المجالس المنتخبة فاننا لن نكف عن طرح السؤال الجوهري.. هل يعد الانتخاب غاية في حد ذاته ونهاية المطاف ? كلا فان احترام الإرادة الشعبية يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد والالتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية”.

وعليه، ومع بداية المشاورات بين وزارة الداخلية والاحزاب السياسية حول المنظومة القانونية التي ستؤطر  انتخابات 2026 نطالب  بتقوية دور الأحزاب كما دعا جلالة الملك في خطاب اكتوبر 2004 الموجه للبرلمان الى ذلك : “”بإيجاد إطار تشريعي جديد وفعال، يستمد فيه الحزب شرعيته القانونية من مشروعيته الديمقراطية، ويأتي بإجابات جماعية متميزة عن قضايا مجتمعية عريضة، لا أن يأتي تلبية لمطامح شخصية أو فئوية “ضيقة”، لإعادة الاعتبار للهيآت السياسية علي أساس أنه لا ديمقراطية فعلية وملموسة، إلا بأحزاب قوية ومسؤولة وبمشاركة مكثفة للمواطن.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *