إلباييس: إسبانيا سترفع السرية على وثائق المسيرة الخضراء

تتجه الحكومة الإسبانية نحو خطوة غير مسبوقة في تاريخها الحديث، تتمثل في رفع السرية عن آلاف الوثائق الرسمية التي تعود إلى ما قبل عام 1982، ومنها وثائق تتعلق بالانسحاب المفاجئ من الصحراء المغربية و المسيرة الخضراء والدبلوماسية السرية خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي. هذا القرار المرتقب أثار اهتمامًا كبيرًا داخل إسبانيا وخارجها، خصوصًا في دول الجوار المغاربي، بالنظر إلى حساسية الموضوعات التي تتناولها الوثائق المزمع كشفها.

ووفقًا لما نقلته صحيفة El País الإسبانية في عددها الصادر بتاريخ 28 يوليوز، فإن حكومة بيدرو سانشيز تستعد للمصادقة على قانون جديد سيشكل تحولًا جذريًا في تدبير أسرار الدولة، من خلال إلغاء القانون القديم الصادر عام 1968 إبان حكم فرانكو، واعتماد إصلاح يقضي برفع السرية تلقائيًا عن كل الوثائق التي مر على تصنيفها أكثر من 45 سنة، باستثناء الحالات التي قد يشكل فيها الكشف تهديدًا استثنائيًا للأمن القومي. وتشير الصحيفة إلى أن هذا الإجراء سيشمل جميع الوثائق التي سبقت عام 1982، في خطوة تفتح الباب أمام مراجعة نقدية لأحداث مفصلية في التاريخ السياسي والدبلوماسي الإسباني.

وتكتسي هذه المبادرة طابعًا ديمقراطيًا واضحًا، غير أنها تحمل في طياتها أبعادًا دبلوماسية استراتيجية، لا سيما أن من بين الوثائق المعنية تفاصيل حساسة حول الانسحاب الإسباني من الصحراء عام 1975، والذي تم في أجواء من الغموض السياسي والعسكري، تزامنًا مع احتضار الديكتاتور فرانكو، وما صاحب ذلك من ارتجال وارتباك في القرار. ولطالما سعت الأوساط المغربية إلى الحصول على أدلة مكتوبة توثق لمواقف إسبانيا الرسمية آنذاك، أو تشير إلى اعتراف ضمني بسيادة المغرب على الإقليم، وهو ما قد يمثل دعمًا دبلوماسيًا ورمزيًا بالغ الأهمية للرباط.

غير أن الوصول إلى هذه الوثائق يواجه عدة تحديات، أبرزها ما أشار إليه وزير رئاسة الحكومة، فيليكس بولانيوس، من أن عدد الوثائق المعنية ضخم جدًا، وأن عملية رفع السرية ستكون تدريجية، مع إعطاء الأولوية في البداية للملفات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان. وتزداد التعقيدات بالنظر إلى الصعوبات المادية والتقنية المرتبطة بفرز الوثائق وتنظيمها وتصنيفها وفهرستها، قبل تحويلها إلى اللجنة المختصة ومن ثم إدراجها ضمن الأرشيف العمومي.

ويخشى بعض الباحثين من أن تكون أجزاء من هذه الأرشيفات قد تعرضت للإتلاف أو التلاعب، كما أشار الأستاذ نيكولاس سيسما، الذي تساءل عن مدى “تطهير” هذه الوثائق في فترات سابقة، مستحضرًا حادثة معروفة حين جرى في بدايات مرحلة الانتقال الديمقراطي إحراق آلاف الملفات الأمنية التي كانت تخص معارضي النظام السابق داخل أفران وزارة الداخلية.

هذا الواقع جعل من تجربة الباحثين مع الأرشيف الإسباني تجربة محبطة في كثير من الأحيان، إذ يضطرون للاعتماد على وثائق حكومات أجنبية، توثق لاجتماعات ورسائل ومراسلات مع مسؤولين إسبان، بينما تظل النسخ الأصلية الإسبانية غائبة أو محجوبة. ويكرس هذا التفاوت ما يشبه “النسيان الاستراتيجي” الذي تمارسه الدولة الإسبانية، ويحد من الحق في الحقيقة لدى المجتمعات المتأثرة، وعلى رأسها بلدان المغرب الكبير.

في المغرب، تابعت وسائل الإعلام هذا التحول القانوني بكثير من اليقظة والتوجس، إذ من شأنه أن يميط اللثام عن حقائق تاريخية طالما ظلت في طي الكتمان، من قبيل كواليس المسيرة الخضراء، واتفاق مدريد الثلاثي، والوساطات الأمريكية المحتملة، إضافة إلى مواقف الجيش الإسباني التي طبعها التردد في آخر أيام الاستعمار.

بالنسبة لإسبانيا، يشكل هذا المسار تحديًا مزدوجًا، فليس كافيًا رفع السرية عن الوثائق، بل ينبغي ضمان الولوج إليها فعليًا، وتحمل تبعات ما تحمله من مضامين قد تثير جدلًا سياسيًا أو حقوقيًا. وكما تنبه El País، فإن الباحثين لا يمكنهم المطالبة بوثائق يجهلون وجودها أصلًا، وهو ما يجعل من إرساء فهرس عمومي دقيق وشفاف ضرورة قصوى، وإلا فإن الشفافية الموعودة ستظل مجرد شعار بلا مضمون.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *