التغطية الإعلامية لملف الهجرة تحت مِجهر الصحفيين والخُبراء

قدّم أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، محمد كريم بوخصاص، والزميلة إيمان بلامين، نائبة رئيسة الشبكة المغربية لصحافيي الهجرة، ومامادو ميوه ديالوا، منسق ائتلاف جاليات مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب، دراسة تحليلية حول تغطية الصحافة المغربية للهجرات الأجنبية، وذلك خلال ندوة نظمت بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط.

وأوضح بوخصاص، في عرضه، أن الدراسة اعتمدت على رصد وتحليل مضامين 184 مادة صحفية نُشرت بين دجنبر 2023 ويونيو 2024، في 31 وسيلة إعلامية، بينها 27 منصة رقمية و4 صحف ورقية.

 

5 ملاحظات حول الدراسة

وتوقفت الدراسة عند خمس ملاحظات رئيسية حول تغطية قضايا الهجرة في الإعلام المغربي.

أولاً، طغى الطابع الإخباري المحايد على المحتوى الصحفي، حيث تبين أن 85% من المقالات تنتمي لصنف الأخبار اليومية دون تقديم مقاربات تحليلية أو تحقيقات ميدانية.

ثانياً، كشفت الدراسة عن حضور لافت للخطابات النمطية والتمييزية، خاصة في تغطية الهجرة القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، من خلال تعميمات تُظهر المهاجرين كعناصر خطرة، والتركيز على أصلهم الجغرافي عند وقوع الجرائم.

ثالثاً، لوحظ غياب شبه تام لتمثيل النساء المهاجرات والفئات الهشة، إذ لم تتناول سوى 3 مقالات من أصل 184 هذه الفئة، أي بنسبة تقل عن 2%.

رابعاً، سجلت الدراسة اعتماداً كبيراً على المصادر الرسمية (45%)، مع ضعف واضح في تنوع الأصوات، حيث لم تتجاوز نسبة المهاجرين المشاركين في التغطية 3% من مجموع الاقتباسات.

خامساً، ركزت التغطية بشكل شبه حصري على الهجرة غير النظامية بنسبة 72%، ما اختزل الهجرة في بعدها الأمني والحدودي، وتجاهل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية الأخرى.

 

في تصريح لـ”بلبريس“، قال محمد كريم بوخصاص إن الدراسة تسعى إلى تحليل السمات العامة للمعالجة الإعلامية لقضايا الهجرة الأجنبية، مع رصد تطورها الكمي والنوعي.

وأوضح الأستاذ الجامعي، أن الصحافة المغربية تميل إلى مقاربة إخبارية، بنغمة محايدة، في نطاق وطني، بالاعتماد أساساً على متحدثين رسميين، خارج أوقات الذروة الإعلامية.

وأكد بوخصاص أن المعالجات الإعلامية تركز بشكل مفرط على الجريمة والهجرة غير القانونية، مع غياب شبه تام للأصوات النسائية والفئات الضعيفة، في مقابل بروز خطابات تمييزية تكرّس الصورة النمطية تجاه المهاجرين، خاصة من إفريقيا جنوب الصحراء.

 

أداة ترافع لتعزيز تغطية إنسانية ومسؤولة

 

من جهتها، اعتبرت إيمان بلامين أن الدراسة لا تمثل غاية في حد ذاتها، بل تشكل أداة ترافعية لتحفيز الإعلام والمجتمع المدني على إعادة النظر في طريقة تناول قضايا الهجرة، عبر تغطية ميدانية وتحليلية تحترم كرامة المهاجرين وحقوقهم الأساسية.

الصحفية إيمان بلامين ترى أن إن الدراسة الأخيرة التي أعدّتها الشبكة المغربية لصحافيي  الهجرات، تهدف تعزيز فهم أعمق لقضايا الهجرة الأجنبية في المغرب، مؤكدة أن الهدف من هذا العمل هو الدفع في اتجاه تغطيات أكثر وعياً ومسؤولية، في ظل تعقّد السياق الإقليمي والدولي المرتبط بالهجرة وتزايد التحديات المرتبطة به.

وتضيف الزميلة إيمان بلامين أن الشبكة تدعو المؤسسات الإعلامية والصحافيين إلى التزام واضح بالمهنية وبالأخلاقيات في التناول الإعلامي لقضايا الهجرة واللجوء، عبر تقديم محتوى ميداني دقيق وتحليلات معمّقة، بعيداً عن السرديات الجاهزة أو الصور النمطية التي تسيء للمهاجرين وتختزلها، مشددة على ضرورة تمكين المهاجرات والمهاجرين من التعبير عن أنفسهم، بمختلف فئاتهم وخلفياتهم، باعتبار أن الحق في الصورة والتعبير جزء من كرامة الإنسان، لا يمكن تجاهله في أي عمل إعلامي يحترم نفسه.

وتابعت الصحفية بمنصة “Enass” المتخصصة في قضايا الهجرة، بأن الإعلام العمومي يتحمّل مسؤولية خاصة، بحكم إمكانياته وانتشاره، في تنظيم نقاشات عامة منتظمة حول قضايا الهجرة، وتقديم مضامين تتماشى مع التزامات المغرب الوطنية والدولية.

كما أشارت بلامين إلى أهمية تدخل الهيئات التنظيمية، وعلى رأسها المجلس الوطني للصحافة، في مراقبة خطابات الكراهية وضمان التكوين المستمر للصحافيين في هذا المجال، بالإضافة إلى دعم إنتاج دراسات مستقلة ترصد كيفية تمثيل الهجرة في الإعلام. وختمت بأن الهجرة تمثل اليوم اختباراً حقيقياً للصحافة المغربية، وفرصة لبناء خطاب إعلامي إنساني، مستقل، وملتزم بقيم المهنة.

 

الإعلام شريك أساسي في بناء تمثلات منصفة

 

أما مامادو ميوه ديالوا، منسق ائتلاف جاليات مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب، فنوّه بأهمية الدراسة، معتبراً أن وسائل الإعلام تلعب دوراً مركزياً في تشكيل التصورات العامة حول الهجرة، إما في اتجاه دعم الاندماج أو تعزيز التمييز والإقصاء.

وأوضح أن وسائل الإعلام، بقدرتها الكبيرة على التأثير في الرأي العام، تلعب دوراً أساسياً في تشكيل صور نمطية، أو المساهمة في تفكيكها، حسب طريقة التناول والخطاب المُعتمد. وأضاف أن من واجب الإعلام أن يكون منصفاً وأخلاقياً في تقديم قضايا الهجرة، تماشياً مع السياسة الوطنية للهجرة واللجوء التي أطلقها المغرب قبل أكثر من عقد، والتي تقوم على أسس إنسانية وحقوقية واندماجية.

وأضاف مامادو أن هذه الدراسة بالذات يمكن أن تُشكّل أرضية أولية لانطلاق أبحاث ودراسات لاحقة، بمقاربات أكثر شمولاً وتنوعاً. وأكد على أهمية انفتاح الإعلاميين والباحثين على خبرات المجتمع المدني، الذي راكم بدوره تجارب غنية وميدانية حول قضايا الهجرة، مما يتيح إمكانيات واسعة لإنتاج معطيات وتوصيات مشتركة، تكون مبنية على تحليل دقيق للواقع. كما شدد على ضرورة الانتباه إلى تنوع الوسائط الإعلامية، لأن كل نوع منها يُنتج تمثلاته وخطابه الخاص، ما يجعل من الضروري مقاربة القضية بأدوات متعددة.

وتابع أن الرهان الأكبر يتمثل في تطوير أدوات عملية لتحسين الأداء الإعلامي في ما يخص قضايا الهجرة، مؤكداً أن الهدف ليس فقط تحسين الصورة، بل بناء ثقافة إعلامية عادلة تُعلي من صوت المهاجرين والمهاجرات، وتفتح أمامهم مساحات للتعبير، بعيداً عن السرديات الضيقة أو الصور النمطية. وأشار إلى أن الإعلام، حين يكون منفتحاً وتعددياً، يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في تعزيز الاندماج، وبناء مجتمع أكثر تنوعاً وتماسكاً.

 

صور نمطية وتهويل وتغييب لواقع الهجرة المعقّد

 

الدراسة، التي أعدها الباحث محمد كريم بوخصاص بتنسيق مع الشبكة المغربية لصحافيي الهجرات، وبدعم من مؤسسة CCCFD-Terres Solidaires، خلصت إلى وجود اختلالات بنيوية في تغطية الإعلام المغربي للهجرات الأجنبية، من أبرزها تعزيز الصور النمطية، والخطاب المهوّل، والاعتماد على الرواية الرسمية دون تمثيل كافٍ لأصوات المهاجرين.

كما رصدت الدراسة ميلاً واضحاً لدى الصحافة المغربية للإشارة إلى جنسية مرتكبي الجرائم حينما يكونون مهاجرين، واستخدام عبارات توحي بالخطر والتهديد، ما يساهم في تغذية مشاعر الخوف من الأجانب، وتعزيز الكراهية، في غياب مقاربات تحليلية وإنسانية للظاهرة.

وبينت الدراسة أن الصحافة تميل إلى التركيز على البعد الأمني للهجرة، متجاهلة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أن الهجرة النظامية وأوضاع اللاجئين لا تجد مكاناً في التغطية الإعلامية إلا نادراً.

في المقابل، تسجّل الدراسة محاولات محدودة من بعض المنابر لكسر هذا النمط، لكنها تبقى استثناءً، ما يبرز الحاجة إلى تدخلات عاجلة في مجال التكوين الإعلامي، وتطوير خطاب مهني وإنساني منصف في تغطية قضايا الهجرة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *