ظاهرة التسول في المغرب بين الواقع التقليدي والتحديات الرقمية

ظاهرة التسول في المغرب ظلت من القضايا الاجتماعية الصعبة التي تواجهها السلطات والمجتمع المدني على حد سواء. بالرغم من الجهود الحكومية الرامية إلى الحد منها، تستمر هذه الظاهرة في الانتشار، وتتخذ أشكالاً جديدة مع تطور التكنولوجيا، لتصل اليوم إلى ما يُعرف بـ"التسول عبر السوشل ميديا"، وهو شكل جديد يشكل تهديداً حقيقياً للأمن الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

التسول التقليدي، المتمثل في مئات آلاف الأشخاص الذين يعتاشون على طلب الصدقات في الشوارع والأسواق، لا يزال موجودًا وبقوة، لكنه أصبح اليوم يُضاف إليه التسول الرقمي الذي يروج لقصص وهمية ويستغل التعاطف لكسب أموال بطرق غير شرعية. وهذا ما أكده وزير العدل عبد اللطيف وهبي في جلسة برلمانية مثيرة يوم 30 يونيو، حيث وصف هذا النوع من التسول بـ"الفعل الإجرامي" الذي لا يختلف عن التسول التقليدي لكنه أشد ضرراً لاحتوائه على جرائم نصب واحتيال.

تصريحات وزير العدل: التسول الرقمي "فعل إجرامي"

في رده على سؤال برلماني، شدد وزير العدل عبد اللطيف وهبي على خطورة التسول الرقمي قائلاً:"التسول عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يختلف في شيء عن التسول التقليدي في الشوارع، بل إنه يشكل تهديداً حقيقياً للأمن الاجتماعي، خاصة وأن بعض المتورطين يستخدمون أساليب النصب والاحتيال عبر تقديم معلومات وهمية لنهب أموال المواطنين."

هذا التصريح يكشف عن بعد جديد للظاهرة التي لم تعد تقتصر على الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة فقط، بل باتت تشمل عناصر تستغل التكنولوجيا والوسائل الرقمية لارتكاب جرائم مالية. وبهذا، يكون التسول الرقمي إضافة خطيرة على المشكلة التقليدية، مما يتطلب تدخلاً قانونياً أكثر حدة وتحركاً رسمياً عاجلاً.

حجم الظاهرة والقضاء بين الأرقام والواقع

تجسد الأرقام التي كشف عنها الوزير وهبي حجم الظاهرة ومدى خطورتها، حيث أشار إلى أن عدد المتسولين في المغرب كان قد بلغ نحو 200 ألف شخص عام 2007، وهو رقم يعكس انتشاراً واسعاً وواقعاً اجتماعياً مزعجاً. وفي سنة 2020، تم إحالة أكثر من 6128 قضية تسول على القضاء، أُدين في إطارها ما يزيد عن 6500 شخص. هذه الأرقام ترسم صورة واضحة عن تزايد التحديات المرتبطة بالتسول، ومدى تدخل القضاء في محاولة احتواء الظاهرة.

لكن الأرقام وحدها لا توضح حجم المعاناة الاجتماعية التي تقف وراء هذه الظاهرة، فهي تمثل فقط جانباً من المشكلة القانونية، فيما يبقى الجانب الاقتصادي والاجتماعي هو المحرك الرئيسي لزيادة أعداد المتسولين، حيث يعيش الكثيرون في فقر مدقع وغياب آليات الدعم والاندماج.

التشريع والتنظيم: القانون بين الحسم والتنفيذ

يؤكد وزير العدل أن القانون المغربي واضح وصارم في تنظيم الإحسان العمومي، وهو ما ينبغي أن يكون حجر الزاوية في التصدي للتسول بكل أشكاله، مضيفاً نقداً موجهاً إلى ما سماهم "المتسولين الجدد" الذين يستغلون الخطاب السياسي والحقوقي لتبرير ممارساتهم غير القانونية. في تصريحه، قال وهبي:
"كل تجاوز للقانون في تنظيم الإحسان يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون."

هذا الموقف يشير إلى أن هناك حاجة ماسة لتفعيل القانون بشكل جدي ومكثف ضد المتورطين في التسول، سواء كان ذلك في الشوارع أو عبر الفضاء الرقمي، مع ضرورة تعزيز حملات التوعية لتمييز المواطن بين الإحسان الشرعي والتسول الإجرامي.

ضرورة مقاربة متكاملة لحل ظاهرة التسول

ظاهرة التسول ليست مجرد مسألة قانونية فقط، بل هي انعكاس لمجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب، مثل الفقر، البطالة، ضعف الحماية الاجتماعية، وغياب فرص الإدماج الاقتصادي. ولهذا، يرى خبراء أن مواجهة التسول تتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز فقط العقوبات القضائية.

التدخلات الاجتماعية، كإطلاق برامج للتكوين المهني، تعزيز الدعم للفئات الهشة، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، تعد من الركائز الأساسية للتقليل من الظاهرة. كما أن إشراك المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في بناء حلول فعالة ومبتكرة يساعد على تقديم بدائل حقيقية للمتسولين، خصوصاً الأطفال والنساء.

التحديات المستقبلية: التكنولوجيا بين الحل والمشكلة

رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت آفاقاً جديدة للتواصل والخدمات، فإنها أصبحت أيضاً وسيلة يستغلها البعض في التسول والنصب، مما يستدعي تدخلات تقنية وقانونية للحد من هذه الممارسات. فالرقابة على المحتوى الرقمي، التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي لتتبع الحسابات الوهمية، وإطلاق حملات توعية رقمية، كلها أدوات ضرورية لمكافحة التسول الرقمي.

وبذلك، يكون على السلطات أن توازن بين استخدام التكنولوجيا كأداة مساعدة في مكافحة التسول، وبين التصدي لاستخدامها في التوسع غير المشروع لهذه الظاهرة.

تظل ظاهرة التسول في المغرب تحدياً مستمراً يتطلب تضافر كل الجهود، من مؤسسات حكومية وقضائية، ومجتمع مدني، وقطاع خاص. تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي تسلط الضوء على أبعاد جديدة لهذه الظاهرة، خاصة في ظل ظهور التسول الرقمي الذي يحتاج إلى استراتيجيات وقائية وعقابية حديثة. النجاح في مكافحة التسول يتطلب مقاربة شاملة تراعي الجوانب القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وتواكب التطورات التكنولوجية في إطار حماية كرامة الإنسان وضمان الأمن الاجتماعي.