في ظل موجة الحر الاستثنائية التي تشهدها مختلف مناطق المملكة، تتزايد المخاوف بشأن التأثيرات الخطيرة لهذه الظاهرة المناخية على المنظومة المائية الوطنية، خصوصاً على مستوى السدود التي تُعد ركيزة أساسية في تأمين احتياجات المغرب من الماء الشروب ومياه الري.
فحسب معطيات استقتها بلبريس من مصدر متخصص في قضايا المياه والطاقة والمناخ، فإن ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبه من انخفاض في نسبة الرطوبة وزيادة في سرعة الرياح، يؤدي إلى تسريع وتيرة التبخر، ويهدد بفقدان كميات كبيرة من المياه المخزنة في السدود، رغم التحسن الملحوظ الذي عرفته هذه الحقينة خلال السنة الجارية.
المصدر ذاته كشف أن معدل التبخر في بعض الفترات قد يصل إلى مليون متر مكعب من المياه يومياً، وهو رقم مقلق يعكس حجم التحديات التي تواجهها المملكة في تدبير هذا المورد الحيوي، خصوصاً أن بعض التقديرات تشير إلى فقدان ما يزيد عن 30 مليون متر مكعب خلال فترة وجيزة بفعل هذه الظاهرة.
ووفق التقديرات ذاتها، فإن هذه الخسائر المائية تضرب في العمق فعالية التساقطات المطرية الأخيرة، حيث تعجز عن تعويض كميات المياه المتبخرة، مما يحدّ من أثرها الإيجابي على مستوى المخزون الوطني من المياه.
ويُحذر المصدر من أن استمرار هذا الوضع يفرض إعادة النظر في نمط استغلال الموارد المائية، خاصة في ظل هيمنة القطاع الفلاحي على قرابة 88% من إجمالي الاستهلاك الوطني، داعياً إلى تسريع وتيرة اعتماد تقنيات السقي الذكي، مثل الري بالتنقيط، لتقليص الفاقد وضمان استدامة التزود.
وفي سياق البحث عن حلول مبتكرة، أشار المصدر إلى مشروع رائد قيد الإنجاز بجهة الشمال، يتمثل في تركيب ألواح شمسية فوق أحد السدود المرتبطة بميناء طنجة المتوسط، بهدف تقليص التبخر عبر تغطية المسطح المائي، مع إنتاج طاقة نظيفة في الآن ذاته، ما يُعد نموذجاً واعداً يمكن تعميمه على باقي المنشآت المائية في البلاد.
ولم يغفل المصدر الإشارة إلى رهان المغرب الكبير على تحلية مياه البحر، كخيار استراتيجي لمواجهة العجز في الموارد التقليدية، مبرزاً أن البرنامج الوطني يسعى إلى بلوغ إنتاج سنوي يناهز 1.7 مليار متر مكعب من المياه المحلاة في أفق سنة 2030.
كما شدد على أهمية المضي قدمًا في إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها، لتوفير بدائل للمياه الجوفية، وتلبية حاجيات القطاعات الاقتصادية، لا سيما الصناعية والفلاحية، دون الإضرار بالمخزون الطبيعي.
وخلص المصدر إلى أن فترة الصيف تشهد عادة ارتفاعاً حاداً في الطلب على الماء، نتيجة تزايد الاستهلاك الأسري، وعودة أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، إلى جانب النشاط السياحي، وهو ما يفرض مقاربة مزدوجة تقوم على ترشيد الاستهلاك وتعزيز العرض المائي من مصادر غير تقليدية وبتقنيات مبتكرة.