الوجوه الجديدة في الحكومة الفرنسية.. علاقة مثلية بين وزيرين وتورط في الفساد
يبدو أن الحكومة الفرنسية على موعد مع التاريخ، بعد أن ضاق هامش القرابة السياسية والتحالفات لصالح"إمانويل ماكرون"، نتيجة للانتكاسات السياسية الواحدة تلو الأخرى، على المستوى الخارجي، كما هو الحال بالنسبة للمشهد الداخلي؛ حيث أدى مشروع قانون الهجرة العنصري، إلى سقوط حكومة "إليزابيث بورن" إحتجاجا ضد المشروع.
فالرئيس "إمانويل ماكرون" الذي خذل مشروع إتنمائه السياسي اليساري، كان سببا رئيسيا في تلقي كتلة اليسار التي تبنته منذ تنشئته السياسية، حينما كان وزيرا للاقتصاد والصناعة والشؤون الرقمية، في الحكومة التي كان يرأسها "مانويل فالس"، خلال الولاية الرئاسية لـ"فرانسوا هولاند"؛ بعد إطلاق حزمة من الإصلاحات عرفت باسم "قانون ماكرون"، كادت أن تحجب الثقة عن الحكومة.
فقد ألحق "قانون ماكرون" ضربة موجعة ضد اليسار الفرنسي، أدى إلى تراجع مشروعية "هولاند" نتيجة الأداء الضعيف للاقتصاد الفرنسي وأزمة المهاجرين المستمرة؛ فضلا عن استمرار ارتفاع معدلات البطالة وبطء النمو الاقتصادي، مما أثار ردود فعل عنيفة بين اليسار واليمين.
وبعد أن ورط "إمانويل ماكرون" الرئيس الفرنسي "هولاند"، إبتعد عنه وعن سياسته وأعلن الإنفصال عن حزبه، كما أعلن تأسيس حزب "إلى الأمام"، وهو مبادرة سياسية جديدة أوصلته لـ"قصر الإليزيه"؛ بعد أن إقتات من تصلب النظام السياسي التقليدي وصراع "اليمين واليسار"، وتبني توجهات يسارية وسطية، وهو عبارة عن مزيج سياسي بين الشعبوية والليبرالية الجديدة.
وبعد تلقي هاته الهزات السياسية، أضحى الرئيس الفرنسي يعيش عزلة سياسية، والتي بدورها عزلت فرنسا خارجيا وقزمت دورها؛ الأمر الذي أدى بـ"ماكرون" إلى البحث عن حلول ترقيعية، ووجوه غير مألوفة، بل وحتى بروفايلات من الخصوم السياسيين.
فقد كان "غابرييل أتال" وزير التربية الوطنية الأوفر حظ لتولي رئاسة الوزراء ذو سن 34 عاما، الذي أصبح أصغر رئيس وزراء للجمهورية الخامسة؛ إلاّ أن المثير للجدل هو "غابرييل أتال" له ميولات مثلية، وعلى علاقة شادة مع "ستيفان سيجورنيه" الذي عين وزيرا للشؤون الخارجية في التعديل الحكومي.
فـ"سيجورنيه" الذي عيّنه الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" اليوم الخميس، يفتقر للخبرة السياسية والديبلوماسية، حلّ محل "كاترين كولونا"؛ إلاّ أن المفاجأة الكبرى كانت مع اللجوء إلى الوجه اليميني المخضرم لشغل منصب وزارة الثقافة، متمثل في مغربية الأب وأم جزائرية "رشيدة داتي"، وهي وزيرة العدل في ولاية الرئيس السابق"نيكولا ساركوزي".
فقد وقع الإختيار على المغربية "رشيدة داتي"، خلفا للبنانية "ريما عبد الملك" في منصب وزيرة الثقافة، بعد تنامي التوتر بينها وبين "إيمانويل ماكرون"؛ حينما ألحت على "ماكرون" لتجريد الممثل "جيرار ديبارديو" الذي دافع عليه، من وسام جوقة الشرف، جراء تورطه في تهم تتعلق بالإعتداءات الجنسية، وإستنكارها ضد مشروع قانون الهجرة العنصري.
كما تجدر إلى أن وزيرة الثقافة الفرنسية الجديدة، تعد موضوع شبهة فساد مالي أمام النيابة العامة المختصة في الجرائم المالية، والتي تتعلق برسوم استشارية تلقتها، إثر الشراكة بين شركتي السيارات "رينو" الفرنسية و"نيسان" اليابانية، أثناء عضويتها في البرلمان الأوروبي.
لم تكن دائرة التعديل واسعة النطاق، حيث حافظ رئيس الحكومة "غابريال أتال" على نفس الوجوه، باللإبقاء على "برونو لومير" في قطاع الاقتصاد، و"لوكورنو" في الدفاع، و"إريك دوبون-موريتي" في قطاع العدل، ثم"جيرالد دارمانان" في الداخلية؛ فيما ستشغل اليمينية "كاترين فوترين" الوزيرة ضمن ولاية "جاك شيراك"، في قطاعات تهم العمل والصحة والتضامن.
فالحكومة الجديدة تثير الكثير من الجدل، حيث أن اليمين الفرنسي رفض انخراط وجوه سياسية محسوبة على اليمين في الحكومة، خصوصا أن "إمانويل ماكرون"، يعيش عزلة وانتكاسات سياسية، جراء سوء تدبير الوضع الخارجي كما هو الحال بالنسبة لضعف الأداء الداخلي.
فالكثير من المراقبين ينظرون إلى تقرب "ماكرون" من اليمين خطة لصالح إنتمائه السياسي، إذا أنها مراوغة لتلطيخ الوجه السياسي لليمين الفرنسي، وتوريط اليمين في إخفاقاته السياسية؛ وفتح المجال أمام خلفه من التيار اليساري ولحزبه؛ إذ أن البعض شكك في التعديل الحكومي، على أنه دعاية تمهيدية للانتخابات البرلمانية لصالح اليسار الفرنسي.