قدم محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، جملة من الأجوبة حول البرنامج القطاعي للوزارة، والمتعلقة بخطة الدولة لتجاوز الاكراهات والتحديات في ظل أزمة الجفاف، ودعم الفلاح الصغير، ومؤسسات التمويل بما فيها القرض الفلاحي، وإشكالية ندرة المياه، إلى جانب الأسعار، وتلبية الطلب الداخلي، وذلك في برنامج “نقط على الحروف”، الذي يبث على منصة “بلبريس” الرقمية،.
وفي هذا الصدد أكد صديقي، أن السياسة الفلاحية بمثابة رؤية استشرافية بعيدة الأمد، والتي أطلقها جلالة الملك منذ 2008، في ظل الأزمة العالمية، التي أدت إلى الارتفاع المهول في القدرة الشرائية، ما خلف أزمة غذائية.
وأضاف الوزير، أن الرؤية الملكية لقطاع الفلاحة انصبت على الاستدامة، بما يشكل المرتكز الأساسي للأمن والسيادة الغذائية، من خلال مخططات استراتيجية، بما فيها مخطط المغرب الأخضر الذي انتهى في 2020، والذي تم تقويمه باستراتيجية “الجيل الأخضر” في أفق 2030، بالنظر إلى إشكالية التغيرات المناخية.
وأوضح صديقي أن تنزيل إستراتيجية الجيل الأخضر، ترتكز على مدخلين، مدخل ترابي جهوي إقليمي محلي، مما يمنح الرؤية لكل الشركاء المحليين بما فيهم المهنيين، بشأن التوجيهات والكيفيات في أفق 2030، ومدخل ثاني يرتكز على سلاسل الإنتاج، من الفلاح إلى المستهلك، من خلال تتبع المنتوج من المادة الأولية الخام إلى أن يصبح منتوجا للاستهلاك، عوض الاكتفاء بتوفير المواد الفلاحية للفلاح؛ والتي أعطت ثمارها، مما سمح بتنظيم المهنيين عبر حلقة سلاسل القيم، أي كل منتوج يقابله مخاطب.
ومن أجل تنزيل هذه الاستراتيجيات، أوضح أنه تم إحداث اَليات التنزيل والعمل، عبر عقد برامج مع 19 فيدراليات مهنية، والمنظمة بموجب قانون 12.03؛ كما أن هاته البرامج تخضع للتتبع في التنزيل، من خلال التقييم والتدقيق والتقويم السنوي.
وجوابا على سؤال التغيرات المناخية وتأثيرها على القطاع الفلاحي خاصة بعد توالي سنوات الجفاف، فأكد صديقي، أن المغرب يمتلك تجربة وخبرة في التعاطي مع الجفاف وندرة المياه، رغم أنها لم تكن بهذه الحدة، بالإضافة إلى التوترات العالمية التي أدت إلى التضخم، والذي انعكس على القطاع الفلاحي فيما يخص كلفة المواد المستوردة للإنتاج.
وخلص إلى أن برنامج هذا الموسم، يرتكز على محورين، الأول متعلق بمواصلة الاستثمار في القطاع الفلاحي، والذي يهم بالدرجة الأولى الاستثمار في الماء، وترشيد السقي، من خلال الإنتاج الفلاحي بأقل تكلفة مائية، ودراسة الجدوى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والربحية.
وفي ما يتعلق ببرامج دعم الفلاحين الصغار والطبقة المتوسطة منهم، فأكد الوزير أن الوزارة اتخذت عدة إجراءات تهم الفلاح بشكل مباشر، وتستهدف تخفيض كلفة الإنتاج، بعد التضخم الذي أدى إلى ارتفاع التكلفة وتقليل من الأرباح.
فلأول مرة في تاريخ البلاد حسب الوزير، أكد أن الدولة ستقدم دعما بنسبة 60 في المائة للأسمدة الاَزوتية التي تؤثر على كثافة الإنتاج، بينما الأسمدة الفوسفاتية تنتج داخلية، ويلتزم المكتب الشريف للفوسفاط بالحفاظ على الأثمنة موضحا أن دعم الفلاحين الصغار يستهدف دعم الماشية، عبر توفير الشباك المفتوح جزافا للفلاح بالنسبة للشعير والأعلاف، دون تقييده بكمية محددة، وهي مقاربة جديدة للوزارة، بالإضافة إلى إبرام صفقة حول 5 مليون قنطار من الشعير، وزعت منها فقط حوالي مليون قنطار، أما الهدف من البرنامج فهو 18 مليون قنطار.
وبخصوص المنتوجات الفلاحية الأساسية في المغرب التي تمول السوق الداخلي، فحسب الوزير فقد ارتفع الدعم فيها من 40 إلى 50 في المائة من الدعم الزراعي، وبالخصوص للخضر المهمة المتعلقة بالطماطم والبصل والبطاطس؛ والغرض من ذلك هو دعم مردودية الإنتاج بتكلفة أقل وأثمنة معقولة.
وفي سياق متصل، وفي معرض رده عن سؤال توجيه المنتوج الفلاحي للتصدير عوض السوق الداخلية، فأكد الوزير أنه قول مجانب للصحة في ظل غياب أرقام دقيقة، مشددا على هناك توازن بين الطلب الداخلي والتصدير؛ غير أن الخلل يوجد في غياب التنظيم في السوق الداخلية، لأن مهمة التنظيم تتداخل فيها مختلف القطاعات، بما فيها الداخلية والتجارة، كون أن التحكم في الأسواق ليس من اختصاص القطاع الفلاحي، بل من مهام الجماعات المحلية، غير أنه بحكم التضامن الحكومي فالوزارة تشتغل على موضوع قنوات التسويق مع كل الشركاء؛ بينما التوازن بين الطلب الداخلي والتصدير يدخل في خانة مهام القطاع الفلاحي.
وقال في هذا الصدد:” من الضروري أن يحقق الفلاح الأرباح، بل حتى ذلك الفلاح الصغير، ولو تعلق الأمر بفلاحة معيشية، يجب أن يحقق الربح، حتى وإن كان يمتلك رأسين من المواشي، دون أن نكتفي بالتفكير في الحاجة الاَنية، بل لابد من مراعاة الاستدامة والأجيال اللاحقة، بالإضافة إلى رهان جعل قطاع الفلاحة جذابا”.
وعليه، فإن الدولة حسب الوزير بلورت مجموعة من الاَليات، من أجل دعم الاستثمار في قطاع الفلاحة، غبر دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتخصيص مليون هكتار من أراضي الجموع التي دعا إليها جلالة الملك، بالإضافة إلى التحفيزات، ودعم المقاولات والتعاونيات الخدماتية، مشددا أن الفلاح الصغير في قلب هذه المعادلة، فعلى سبيل المثال، “هناك الاَليتين للعمل في مجال الاستهداف والاعانات، فهناك صندوق التنمية الفلاحية المفتوح أمام الجميع، والذي يمنح تحفيزات للمستثمرين والمنتجين؛ ثم اَلية الفلاح التضامنية، والذي يستهدف الفلاح الصغير”.
وفي معرض رده عن سؤال:”لماذا يزور الوزير مناطق دون الأخرى؟ وهل الأمر مرتبط بالسياسة؟ ولماذا غابت عبدة عن برنامج الوزير؟، فأكد الوزير في هذا الصدد، أن قطاع الفلاحة بالمغرب لا يخضع للمزايدات السياسية، وأن الفلاحة مجال مفتوح للجميع والكل معني به، عبر ربوع المملكة، كما هو الحال بالنسبة للصيد البحري، مضيفا أنه زار 63 إقليما خلال السنتين الأخيرتين، ولأغراض متعلقة بمشاريع أو مشاريع تحتاج إلى دفعة، غير أن البرنامج المخطط هو زيارة جميع المناطق.
وأشار في هذا الصدد، أنه يتتبع عن كتب المشاريع المبرمجة في عبدة ودكالة، معلنا عن برنامج زيارة للمنطقة والذي كان قد أجل منذ شهر جراء زلزال الحوز، ناهيك عن أن ربط الأحواض بين سبو وأبي رقراق، من أهداف الوزارة لتخفيف العبء على عبدة، بالإضافة إلى دعم إنتاج الشمندر الذي يدخل في نفس الخانة.
حكومة الصمود أمام الأزمات
بالنسبة لمؤشر قياس ضعف وقوة الحكومة من خلال مدى صمودها أمام الأزمات، قال الوزير أن الحكومة دبرت مرحلة استثنائية من عدة عوامل، ولمعرفة ما تم فعله، يجب المقارنة بين كون الحكومة تعمل على تنزيل الأوراش الملكية الكبرى، بالإضافة إلى تدبير ملف الاستثمار، وهي معادلة صعبة تقتضي تنزيل الأوراش وخلق الاستثمار وتدبير الأزمة، دون إخلال بالتوازن.
غير أن ملف الاستثمار حسب صديقي،مهم بالنسبة للبلاد، ولا يمكن التغاض عنه، وكان بالإمكان ذلك، من خلال تدبير الأزمة وترك برامج الاستثمار، دون الاكتراث للمستقبل؛ لكن الحكومة اختارت تدبير الأزمة وتنزيل البرنامج الحكومي، وهي المعادلة البعيدة المدى التي يتضمنها قانون المالية المقبل.
وأشار إلى أن التواصل الحكومي بشأن الإصلاحات كان غائبا بالنسبة للحكومة، لكونها تركت أمر التواصل حتى تتحقق المنجزات، غير أن تنزيل تلك المنجزات لا يمكن أن يتحقق إلا مع إجراء إصلاحات، والإعلان عن الإنجازات استغرق الوقت أثناء الإصلاحات.
وعلى سبيل المثال يضيف الوزير :”ملف الحماية الاجتماعية، والذي لم يكن بالمسألة السهلة، فالأمر يحتاج إلى إصلاح قبل اتخاذ قرار التنزيل، كما هو الحال أيضا بالنسبة للتعليم والصحة، والدعم المباشر والذي خصصت له 50 مليار درهم ويهم جميع الفئات، لأننا نتحدث على الدولة الاجتماعية، وهو ما تترجمه الحكومة ميدانيا”.
وعودة إلى مشكل ندره المياه قال صديقي أن الحكومة استطاعت أن تحافظ على التوازن الماكرو اقتصادي والمالي والاجتماعي حسب مؤشرات، ما يعني أن المغرب أضحى قويا بفضل الأزمات، الأمر الذي أفضى إلى بلورة ورش السيادة الصحية، مضيفا:”سائرون نحو السيادة الغذائية”، مؤكدا أن الحكومة كانت أمام اختبار، وبفضل الحكامة المولوية أبانت الدولة على المرونة بالمقارنة مع المحيط، بفضل ا استراتيجية الجيل الأخضر، والتي ستظهر مع تنزيل المشاريع والبرامج.
فعلى سبيل المثال تم تخصيص 60 في المائة من الاستثمار نحو المياه، بما فيها التحلية كما هو الحال بالنسبة لشتوكة في سقي الطماطم، وهو نفس المشروع الموجه للداخلة بنسبة 5000 هكتار للخضار بعد سنة، بالاعتماد على الطاقة الريحية، بالإضافة إلى دراسات تخص طانطان وتزنيت، وأخرى في الناظور مع المكتب الوطني للمياه الصالحة للشرب، وطنجة كذلك؛ والرهان يقع على برنامج تأمين 100000 هكتار موجهة للزراعة عبر التحلية. بالإضافة إلى ترشيد مياه السقي، بتوفير 2.5 مليار متر مكعب من المياه في السنة، بتحديث القنوات أولا، وتحديث منظومة السقي، وتأهيل العنصر البشري المختص في هذا المجال، والتحكم أيضا في الماء، وربط الأحواض المائية.
واردف مفسرا أن الوزارة تعمل على ترشيد النظم الزراعية، والذي يتعلق بأنواع الإنتاج، حيث يستهدف المنتوجات التي تستنزف المياه، على سبيل المثال الليمون، ناهيك عن البدائل كالخروب والزيتون والورديات والحبوب المقاومة والصبار، الذي وصل فيه المعهد الوطني للبحث الزراعي ‘إلى حل، متعلق بتشجير الأصناف المقاومة للحشرة المضرة به؛ وهي البرامج التي تدخل في خانة الفلاحة التضامنية.
وقال:”عندما نتحدث عن الفلاحة التضامنية، فإن الدولة تساهم بما يصل إلى 75 في مئة، بينما يساهم المستفيدون فقط بالأراضي أو أنشطتهم، ولا يستهدف الفلاح الكبير، لكونه يستفيد من امتيازات أخرى، والذي يستفيد فيها من 30 في المائة من الدعم، لتحقيق الجاذبية للقطاع الخاص لا غير، ناهيك عن التقنيات والتكنولوجيات، كالزرع المباشر للحفاظ على المياه والإنتاج، فخلال السنة الماضية حققت هذه التقنية 35 في المائة من الإنتاج”.
وحول مؤسسة بنك القرض الفلاحي الذي أسسه الملك الراحل الحسن الثاني من أجل الفلاح الصغير، والذي وجد زبنائه أنفسهم مثقلين بالديون، ومعرضين للمسائلة القضائية بعد توالي سنوات الجفاف، دون أن يستفيدوا من التأمين على المخاطر الاقتصادية ضمن برنامج الحماية الاجتماعية، مما طرح إشكالا حقيقيا، حول تهميش الفلاح الصغير والاهتمام بالفلاح الكبير؛ فأفاد صديقي، أن مؤسسة القرض الفلاحي أن تبقي وفية لروح الميثاق الذي خلقت لأجله، وهو توجه ملكي، من أجل الفلاح بما فيه الصغير، كما أن الأبناك الأخرى معنية بالانخراط في القطاع الفلاحي، من أجل تخفيف الضغط على القرض الفلاحي لمواجهة الإشكالية المتعلقة بالفلاح.
وحسب الوزير، فإن العديد من الخدمات موجهة للفلاح الصغير، ورغم وجود إصلاحات، إلا أن الظرفية أبانت على مجموعة من الاختلالات، تظل خفية أثناء الإنتاج، الأمر الذي دفع الدولة إلى ضخ مليار درهم في رأسمال المؤسسة البنكية، طبقا للتعليمات الملكية.
وفي هذا الصدد، أكد أن التوجيهات الوزارية للرئيس المدير العام للمؤسسة، تنصب في هذا الاتجاه، من خلال اصلاح هذه الاختلالات، ومواكبة هذه الإشكاليات العالقة، وفق حلول عملية ودون اللجوء إلى القضاء.
وفي السياق ذاته، شدد الوزير على أن الاهتمام بالفلاح الصغير يندرج ضمن الأولويات الأولى لخطة عمله، مؤكدا أن مهامه هو الدفاع عن الفلاحين خاصة الصغار ،وأولئك المتواجدين في أعالي الجبال، ورعاة المواشي؛ مبرزا أن أن الحكومة على استعداد لمواجهة الجفاف، من خلال دعم الأسمدة الذي سيخفف تكلفة الفلاح بـ 50 في المائة، وكذا الاستمرار في ترشيد السقي، بينما ستتحمل الدولة منحه الدعم المخصص للأعلاف.