احمد نور الدين:تغيير الموقف الإسباني من الصحراء.. حقيقة أم مزايدة انتخابية؟
في حوار أجرته القناة الخامسة الاسبانية مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، على بعد بضعة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في 23 يوليوز 2023، نفى أن تكون بلاده قد غيرت موقفها من نزاع الصحراء المغربية، مؤكدا أن موقف مدريد “ثابت ولم يتغير على مدى تعاقب الحكومات السابقة سواء الاشتراكية او اليمينية”..
وهذا الكلام غير صحيح، وهو موجه بالأساس للدعاية الانتخابية في مواجهة مزايدات اليمين واليسار الراديكاليين على حد سواء في هذا الملف، لأننا نعلم الحضور الكبير للمغرب في كل المحطات الانتخابية بإسبانيا من خلال الصور النمطية عن “المورو” والإحالات السلبية المتعددة لهذا المصطلح من عهد الملكة ايزابيلا الكاثوليكية ووصيتها الشهيرة ضد المغرب، إلى عهد الحرب الأهلية التي شارك فيها الجنود المغاربة إلى جانب فرانكو، وصولا إلى تفجيرات مدريد والهجرة غير الشرعية وغير ذلك من الملفات. وهذا الحضور المغربي يتم استغلاله كأصل تجاري للمزايدة بين الأحزاب الاسبانية في الحملات الانتخابية وخاصة التشريعية لاستمالة الناخبين الذين يظلون على العموم متوجسين من المغرب. وقد اثبتت دراسة علمية قام بها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيحية بالرباط منذ حوالي عشر سنوات أن إسبانيا تأتي في مقدمة الدول التي توجد فيها أعلى نسبة من التمثل السلبي للمغرب عبر العالم رغم قربها الجغرافي.
ولتأكيد أن كلام بيدرو سانشيز غير صحيح، وأن حكومة مدريد قامت بالفعل بمراجعة جذرية لموقفها، يكفي الرجوع إلى الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية إلى العاهل المغربي في 18 مارس 2021، والتي انهت الأزمة بين البلدين على خلفية استقبال زعيم الانفصاليين “ابن بطوش” بهوية مزورة في اسبانيا، مما شكل طعنة غادرة للمغرب، وأدى إلى تقويض مبادئ الثقة والشفافية واحترام الالتزامات التي تعد جوهر العلاقات الدولية.
ففي تلك الرسالة، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، وبذلك يكون قد أخرج اسبانيا من المنطقة الضبابية ومن المنزلة بين المنزلتين التي كانت تتبناها بشكل انتهازي منذ عقود. وبتفصيل أكثر إذا رجعنا إلى نص الرسالة سنقف على أنها تقدمت نحو الاعتراف بسيادة المغرب على اقاليمه الجنوبية عبر ثلاثة خطوات:
الخطوة الأولى، جاءت في الفقرة التي يعترف فيها بيدرو سانشيز “بأهمية الصحراء بالنسبة للمغرب”، وفي الخطوة الثانية جاء الإعلان على أن إسبانيا “تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”، حيث اضاف سانشيز اسم التفضيل ” الأكثر ” إلى المصطلحات التي دأب مجلس الامن على استعمالها لوصف مبادرة الحكم الذاتي، ثم خلصت الرسالة، في خطوة ثالثة وهي الاخيرة والأهم الى التأكيد على أن “أنه سيتم اتخاذ هذه الخطوات من أجل ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين “.
والحديث هنا عن الوحدة الترابية يهم المغرب ولا يحتمل اي تأويل بما ان اسبانيا غير معنية بتهديد لوحدتها الترابية.
وبهذه الخطوات الثلاثة تكون اسبانيا قد تخلت عن سياستها الخارجية السابقة التي كانت تحاول دائما الضغط على المغرب بإبقاء ملف الصحراء جرحا مفتوحا لإضعاف موقف الرباط في القضايا الثنائية الأخرى ومنها سبتة ومليلية والجزر التسعة المحتلة، وملفات الصيد والهجرة والفلاحة وترسيم الحدود البحرية، الخ. وقد كانت آخر محاولة معادية للمغرب في هذا الصدد هي مساعي وزيرة خارجية مدريد السابقة، ارانشا لايا، لاقناع إدارة بايدن بمراجعة الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، وهو ما أدى إلى ازمة انتهت باقالة بدرو سانشيز لتلك الوزيرة من حكومته في يونيو 2021.
وكانت السياسة الخارجية الإسبانية قبل منعطف 18 مارس 2021 تتبادل الأدوار مع الجزائر فهذه الاخيرة تدعم الانفصال علنا، عسكريا ودبلوماسيا وبكل الوسائل الاخرى، بينما مدريد تكتفي بدعم الانفصال من وراء الستار بما ان الجزائر تقوم بالادوار القذرة.
وهناك مؤشر آخر على التحول التاريخي في الموقف الإسباني وهو رد الفعل الجزائري في اليوم الموالي لرسالة سانشيز حيث سحبت الجزائر سفيرها يوم 19 مارس 2021 احتجاجا على ما وصفه بيان الخارجية الجزائرية “بالانقلاب” في الموقف الاسباني، وقامت باجراءات متتالية منها تجميد معاهدة الشراكة والتعاون بين البلدين، واتخاذ إجراءات عقابية ضد الشركات الإسبانية والتهديد باستعمال سلاح الغاز، وغيرها من الردود العدوانية والتي تعتبر تدخلا سافرا ووقحا في موقف سيادي اسباني حول قضية تزعم الجزائر انها غير معنية بها وأنها ليست طرفا فيها وأنها مجرد بلد ملاحظ في النزاع الدائر حولها!
فهل يمكن للسيد سانشيز بعد كل هذا أن يزعم بأن موقف اسبانيا لم يتغير من قضية الصحراء؟!