د.ميلود بلقاضي
يؤكد المؤرخون وعلماء السياسة ان ‘’نظرية الرجل العظيم’’ هي من النظريات المحورية في علم السياسة والتاريخ تروم تقييم أداء او حكم رجال صنعوا تاريخ شعوبهم او دولهم. تاريخيا تعود نظرية الرجل العظيم للقرن التاسع عشر مفادها ان فهم تاريخ الشعوب والدول يمر عبر دراسة مسار رجالها الذين صنعوا هذا التاريخ وأثروا فيه بشخصيتهم الكازماتية وحكمتهم وتبصرهم وبعد نظرهم ومهاراتهم السياسية ،مما جعل الباحثون يميزون بين رجال صنعهم التاريخ ورجال صنعوا التاريخ وجلالة الملك محمد السادس يدخل في خانة الرجال الذين صنعوا التاريخ أي تاريخ المغرب الحديث.
وتعود ‘’نظرية الرجل العظيم’’ للكاتب الإسكتلندي توماس كارليل الذي عمل على تطويرها منذ ثلاثينيات من القرن العشرين. وقد أخذت هذه النظرية مسارا آخر منذ ظهور كتاب كارلايل ‘’عن الأبطال عبادة-البطل و البطولة في التاريخ’’، كتاب مرجعي’’ لنظرية الرجل العظيم’’ التي تربط تاريخ العالم والدول والشعوب بسيرة الرجال العظماء، مبرهنا على ذلك بدراسات مفصلة عن بعض الشخصيات التاريخية مثل: محمد, شكسبير, لوثر, روسو, بريكليس, نابليون, و فاغنر) هاته الشخصيات التي اثرت في تاريخ الإنسانية وصنعت تاريخها.
ونظرا لما أحدثته ‘’نظرية الرجل العظيم’’ من رجات داخل علم السياسة والتاريخ اعتمدها عدد من المفكرين الأوروبيين والامريكيين في مختلف الدراسات والأبحاث التاريخية والسياسية ، نذكر منهم الباحث الأميركي فريدريك آدامز وودز الذي طور هذه النظرية في كتابه :’’تأثير الملوك خطوات جديدة في علم التاريخ ‘’’انطلاقا من تطبيق هذه النظرية على 386 من الحكام من القرن الثاني عشر وحتى الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر لضبط مدى تأثيرهم على مجرى الأحداث التاريخية التي عاصروها وغيروا مسارها.
والمتأمل في تاريخ المغرب الحديث يقتنع اكثر ان نظرية الرجل العظيم تنطبق على جلالة الملك محمد السادس الملك المتميز الذي غير مسار تاريخ المغرب الحديث بكارزماتيه وبأسلوبه حكمه وبحكمته ونظرته الاستراتيجية للقضايا المحلية والإقليمية والدولية .
22 سنة من الحكم استطاع خلالها جلالة الملك محمد السادس ان يجعل من المغرب قوة اقتصادية وسياسية إقليمية صاعدة ، مغرب يبحث عن تموقع في نظام دولي جديد في التشكل لا مكان فيه للدول الضعيفة والمستباحة ،وهذا هو ما سبب ظهور تحالف جزائري اسباني الماني ضد المغرب ، وضد مصالحه وتوريط الاتحاد الأوروبي في الخلاف الاسباني المغربي للضغط على المغرب لينحي لكنهم تفاجئوا بصمود المغرب وبرده الصارم الند بالند.
وعلى هذا الأساس لم يفهم الكثير من الباحثين والمحللين قرار الرد المغربي القوي على مواقف الاتحاد الأوروبي واسبانيا وألمانيا ، لكن بعد أسابيع بدأت الحقائق تظهر بأن المغرب كان محقا في مواقفه الشجاعة والجريئة ضد الدول الأوروبية ليؤكد لكل دول الاتحاد الاروبي وغيرها بأن زمن الوصاية قد انتهى، وبان مغرب الملك محمد السادس ليس محمية لاي قوى او دولة ، وبان ومغرب اليوم ليس مغرب الامس .
تتجلى عظمة حكم الملك محمد السادس في الحكم في اسلوبه الواقعي والاستراتيجي والبراكماتي خصوصا على مستوى ربط التنمية بالديمقراطية والاستثمار في العنصر البشري ،ورهانه على العمق الافريقي وتنويع الشركاء الاقتصاديين والانفتاح على حلفاء دوليين سياسيين جدد جعلت المغرب يصبح مزعجا ليس للجزائر البلد العربي الشقيق بل لعدد من الدول الأوروبية التي أصبحت مؤمنة بان المغرب قوة إقليمية صاعدة بقيادة ملك عظيم، وبأنه اذا ما استمر الاتحاد الاروبي في دعم المغرب فان منطقة شمال افريقيا ستعرف عدم توازن بين المغرب وباقي الدول المغاربية في ظل الثورة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العميقة والهادئة التي يقود بها العاهل المغربي بلاده وذلك بكل هدوء حكمة وتبصر وكارزماتية.
ولقد صدق من قال نظرية الرجل العظيم تستند على عدد من المبادئ من أهمها ان القادة العظام يولدون ولا يصنعون، وأن هؤلاء القادة يتميزون عن طريق الوراثة بخصائص وقدرات خارقة ومواهب فذة غير عادية لا تتوفر في غيرهم، وهو ما ينبثق على جلالة الملك محمد السادس المتميز ابن الملك العبقري الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه لكون الخصائص والقدرات الفطرية الموروثة لا تتکرر إلا بنسب ضئيلة بين الناس، وبالتالي فالرجال العظماء قليلون على مر التاريخ ، وعلى الرغم من قلتهم إلا أنهم تمکنوا من التحکم في مجرى التاريخ وتغييره ، وهذا ما يقوم به اليوم على جلالة الملك محمد السادس الملك العظيم.
رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية