فرنسا.. على بعد أقل من عام على الانتخابات الرئاسيةاستحقاقات جهوية ومحلية برهانات متعددة

تشكل الانتخابات الجهوية والمحلية لما قبل الاستحقاقات الرئاسية الفرنسية للعام 2022، التي ت جرى في سياق الوباء العالمي، تحديا جوهريا ينضاف إلى رهانات متعددة وسياسة تحالفات تؤجج الجدل السياسي في البلاد.

وقد جرى تأجيل الانتخابات الجهوية المرتبطة بانتخابات المقاطعات في مارس الماضي، على خلفية تفشي وباء "كوفيد- 19"، ليتم تحديدها أخيرا في 20 و27 يونيو الجاري.

وسيسمح هذان الاستحقاقان، اللذان سيكونان بمثابة اختبار للأحزاب السياسية، على بعد أقل من عام على الانتخابات الرئاسية، لأزيد من 47 مليون ناخب، من اختيار 1758 مستشارا جهويا في البلاد، وانتخاب رؤساء الجهات الكبرى.

وحسب صحيفة "لوفيغارو"، فإن هذا الموعد الانتخابي، الذي يتميز بحملة تجري في ظل القيود الصحية وخطر العزوف القوي عن التصويت، يمثل نقطة انطلاق لليمين، واختبارا لقدرة اليسار على الاتحاد، وعقبة ينبغي التغلب عليها بالنسبة للأغلبية، وتعهدا بمصداقية التجمع الوطني.

لكن حسب المراقبين، تشكل المشاركة الرهان الأكبر في هذه الانتخابات، على اعتبار أن الاقتراع يجرى في سياق صحي غير موات بالنسبة للانتخابات، ينضاف إلى ذلك الاستياء المتزايد للفرنسيين من السياسة.

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي إيمريك شوبراد "لقد ازداد طرح رهان المشاركة بفعل الكوفيد، لكن ذلك كان مطروحا سلفا قبل الأزمة الصحية".

وفي فرنسا، يوضح الخبير الفرنسي لوكالة المغرب العربي للأنباء، يسجل انخفاض من حيث الإقبال باستثناء الانتخابات الرئاسية حيث يصوت الفرنسيون بشكل أكبر، "لكن بالنسبة للانتخابات المحلية والجهوية-والأوروبية أكثر من ذلك- يبقى معدل المشاركة منخفضا للغاية، مشيرا إلى وجود "استياء للفرنسيين من السياسة وفقدان للشرعية بالنسبة لجميع الأحزاب".

وحسب الخبير السياسي، فإن "عدد الفرنسيين الذين يصوتون يتتاقص. وبشكل عام، إذا ما احتكمنا إلى الصبغة الحقيقية للتصويت، فإن جميع الأحزاب تعتبر تقريبا ضعيفة للغاية".

وأوضح إيمريك شوبراد أن "الرهان الآخر الذي تمثله هذه الانتخابات، والذي ربما يحتل صدارة القائمة، هو قدرة الأحزاب السياسية المسماة تقليدية -الجمهوريون والاشتراكيون- التي تسيطر على جهات أو دوائر، على إبقائها تحت نفوذها. لهذا، ستكون ملزمة على التحالف مع الحزب الرئاسي، لكي تتمكن من الحفاظ على جهاتها. فهذا صحيح، على وجه الخصوص، بالنسبة للجمهوريين، ولكن أيضا في بعض الأحيان بالنسبة للاشتراكيين".

وبينما يتفق العديد من المراقبين والمحللين على أن الانتخابات الجهوية والمحلية تشكل نوعا من "اختبار الحجم الحقيقي" للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، يرى إيمريك شوبراد أن "الأمر أعمق بكثير من ذلك".

وبحسبه، فإن الانتخابات الرئاسية تبدو بوضوح "ثنائية القطب: إنه الحزب الرئاسي، الجمهورية إلى الأمام ضد التجمع الوطني (حزب التجمع الوطني- اليمين المتطرف)، القوتان المهيمنتان". "لكن في الواقع، فإن ذلك لا يتوافق مع واقع الجهات والمقاطعات التي تهيمن عليها في الواقع الأحزاب القديمة، أي الجمهوريون والاشتراكيون".

وشدد، في السياق نفسه، على "الفجوة" الحاصلة بين وضع المقاطعات والجهات والانتخابات الرئاسية، التي تشكل "انعكاسا للمشهد السياسي الفرنسي الجديد الذي ينقسم بين الجمهورية إلى الأمام حول ماكرون والتجمع الوطني".

وأكد أنه "على العكس من ذلك، فإن رهان المقاطعات والجهات هي معرفة ما إذا كانت هذه الأحزاب التقليدية - التي بدأت تتراجع قليلا، والتي فقدت مكانتها فعلا، لكنها لا تزال تحظى بتجذر إقليمي وجهوي قوي إلى حد ما - ستتمكن من الحفاظ على هذه الجهات".

وأضاف الخبير السياسي أنه في الوقت الذي تجرى فيه هذه الانتخابات قبل أقل من عام عن الانتخابات الرئاسية للعام 2022، فإن الرهان الحقيقي والأقوى هو "تحول المشهد السياسي الفرنسي إلى قطبين: قطب اشتراكي-ديمقراطي ضد قطب سيادي-شعبوي حول التجمع الوطني".

وأشار إيمريك شوبراد إلى أن المشهد السياسي في فرنسا "ينقسم" ويبدو أن ما يسمى بالأحزاب التقليدية، مثل الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري "في حالة تدهور تزداد تفاقما"، "لا أحد قادر في الوقت الراهن على إرسال مرشح قادر على الذهاب إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقبلة، لا الحزب الاشتراكي ولا الجمهوريون".

أما بالنسبة لمختلف استطلاعات الرأي، فتظهر أن كلا من الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية سيهيمن عليهما إيمانويل ماكرون ومارين لوبين، وهو ما كان عليه المشهد في العام 2017؛ مع خصوصية تتمثل في معاقبة الرئيس المنتهية ولايته في هذا السباق على الإليزيه، على اعتبار أن إدارته لعدة ملفات خلال ولايته الرئاسية التي امتدت لخمس سنوات تعرضت لانتقادات شديدة (أزمة السترات الصفراء، الأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد-19 ... )، وهو وضع يمكن، حسب العديد من المراقبين، أن يتحول لصالح مرشحة التجمع الوطني، ومن ثم منح الفوز للتجمع الوطني خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويشاطر إيمريك شوبراد هذا التحليل، حيث يرى أن "كل شيء ممكن": "فرنسا بلد يعد الآن شبه مقسم ومنقسم إلى حد كبير. هناك شروخ اجتماعية، وهناك انقسامات هوياتية تعزى لقضايا الأمن، الهجرة، وخوف معين إزاء مسألة الإسلام الفرنسي".

ووفقا للخبير في الشؤون السياسية، يوجد بفرنسا في الوقت الراهن "مجموعة من المخاوف والانقسامات التي تحيل على أنه، بالفعل، قد يحدث انعطاف حقيقي لمجريات الأمور"، الذي يحيل على وجود نوع من "التبسيط" و"التطبيع"، الذي يجري في البلاد مع اليمين المتطرف وحزبه الأيقوني التجمع الوطني.

وبالنسبة له، فإن "معظم الفرنسيين، حتى أولئك الذين يعارضون حزب التجمع الوطني، يعتبرون أنه إذا وصل هذا الحزب إلى السلطة، فلن يكون ذلك بمثابة وصول الفاشية أو النظام الشمولي إلى السلطة، ولكن لحزب ذي هوية شعبوية كما حدث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا".

وأضاف أن وصول اليمين المتطرف في فرنسا يظل أحد "السيناريوهات المحتملة، وسيناريو موثوق من منظور العلوم السياسية".

لكن الأهم، يؤكد شوبراد، "هو استيعاب أن المشهد السياسي بصدد التحول إلى قطبين قويين : من جهة، قطب سوسيو-ديمقراطي، مناصر لأوروبا والعولمة، والذي يجمع عناصر من الحزب الاشتراكي وعناصر من الجمهوريين الوسطيين حول إيمانويل ماكرون، وعلى الجانب الآخر، قطب مناصر للهوية السيادية، وهو حزب التجمع الوطني وجميع القوى التي ستنضم إليه شيئا فشيئا، بما في ذلك داخل الجمهوريين".

ويؤكد إيمريك شوبراد أن "الأمر يتعلق حقا بمشروعين مجتمعيين مختلفين تماما، يسائلان الأحزاب التقليدية والمشهد السياسي الحالي".

وخلص إلى القول "نحن بفرنسا نوجد في مرحلة انتقالية سياسية حقيقية، بمعنى أن المشهد السياسي يتغير في العمق، وأعتقد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون حاسمة في هذا الشأن".