البرحيلي: حان الوقت لتكون الصين فاعلا في قضية الصحراء المغربية

خالد البرحيلي

نظمت “صحيفة الشعب” الصينية التي تعد لسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ولها إصدارات بسبع لغات، منتدى التعاون الإقليمي بشأن “الحزام والطريق” بمدينة “كونمينغ” بمقاطعة يونان، تحت موضوع “المسؤولية الإعلامية المشتركة للتبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات”، وهو الحدث الذي كانت قضية الصحراء حاضرة فيه.

المنتدى الذي نُظم على مدى يومين 16و17 من الشهر الجاري، عرف حضور أكثر من 200 ضيف من 165 وسيلة إعلامية ومؤسسة من 87 دولة ومنظمة من مختلف دول العالم، وحضره كبار المدراء التنفيذيين في الشركات الصينية الكبرى، وأعضاء من الحزب الشيوعي، وشخصيات من الحكومة المركزية في الصين.

وشهد المنتدى مداخلات ركزت في الكثير منها على التغييرات الجيوسياسية التي يعرفها العالم، والمسارات الضيقة الذي تسير عليها الكثير من الأحداث الدولية التي أصبحت طاغية في تحديد مصير الكثير من الدول، بما فيها أحداث الشرق الأوسط، والحرب في أوكرانيا، والقلق المتنامي عند دول أمريكا اللاتينية مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا.

وركزت الكثير من المداخلات التي شارك فيها أعضاء كبار من الحزب الشيوعي الصيني، ورؤساء المقاطعات، وكبار المدراء التنفيذيين في شركات الطاقة، وصناعة السيارات، والبنيات التحتية، والتكنولوجيات المتقدمة، وخبراء اقتصاديين في مختلف دول العالم، وإعلاميون من 70 دولة، على مشاكل العالم التي لم تجد بعد طريقها إلى الحل، والتي تؤثر على الواقع السياسي الذي ينعكس على التطور الاقتصادي للعديد من الدول.

في هذا المنتدى كنت من المتحدثين الرئيسيين، حيث ركزت في مداخلتي على الدور الذي يُمكن أن تلعبه الصين في قضية الصحراء، بحكم علاقاتها الجيدة بين بلدي الخلاف، الجزائر والمغرب.

وأكدت على أنه حان الوقت لكي لا تبقى الصين شاهدا على العديد من الأحداث الدولية، بل عليها أن تكون فاعلا فيها، بما فيه قضية الصحراء، حتى لا تنزلق الأمور إلى الفوضى الخشنة في المنطقة بعد أن تجاوزت كل خطوط الفوضى الخلاقة.

واعتبرت في ذات المداخلة، أن الصين قوة اقتصادية، وعسكرية، ولها ثراء ثقافي، بتعداد سكان يفوق 1,4 مليار نسمة، وتُعد من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتملك حق النقض “الفيتو”، لهذا عليها أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في أن تكون فاعلا إيجابيا في حل العديد من الأزمات “المعطلة” في مناطق العالم، بما فيها قضية الصحراء.

وأشرت أمام الحضور، بمن فيهم مسؤولون كبار في الحكومة المركزية، وكبار شخصيات الحزب الشيوعي الصيني، إلى أن منطقة شمال إفريقيا تشهد خلافا سياسيا بلغ عمرة هذه السنة نصف قرن، وهو قضية الصحراء، وأفرز هذا الخلاف نشوب أزمات متوالية بين المغرب والجزائر، وهو الخلاف الذي تسبب في تقويض المنطقة، وجعلها من بين أكثر المناطق في العالم التي تفتقر للتكامل الاقتصادي، والتناغم السياسي، بالرغم من أن شعوبها متقاربة ثقافيا، كما أن هذا الخلاف قد يخرج عن السيطرة ليتطور إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، وهو ما قد يقوض حتى المصالح الصينية في المنطقة ضمن “طريق الحرير” الذي ترسمه بكين في سياق تمددها الاقتصادي عبر العالم.

وفي هذا الشأن، أشرت إلى أنه يمكن للصين أن تفعل الكثير، فالمغرب والجزائر هما دولتان موقعتان على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. ففي الجزائر تعمل الصين على مشاريع بمليارات الدولارات في البنى التحتية بعدما انضم هذا البلد المغاربي إلى محور “الحزام والطريق”، سنة 2018.وفي الجهة المقابلة يعد المغرب أول دولة مغاربية انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق في عام 2017، وتعتبر الصين من كبار المستثمرين بالمملكة المغربية في مشاريع كبرى في الطاقات المتجددة، وصناعة بطاريات السيارات، والقطار فائق السرعة، ومجال الاتصالات، والبنية التحتية..

وكل هذه العوامل الاقتصادية، يمكن أن تنعكس على القرار السياسي، بأن تصبح الصين فاعلا في ملف الصحراء، خصوصا أن هناك اجتماعا حاسما لهذه الملف في مجلس الأمن شهر أكتوبر المقبل، قد يكون فرصة تاريخية لأن تستعمل الصين نفوذها و”حكمتها التاريخية” بالمساهمة الفاعلة والإيجابية في إنهاء ملف أنهك المنطقة بمطالب انفصالية ساهمت في خلق ظروف غير مستقرة بين الدول المغاربية.

ودعوت في مداخلتي إلى “الجرأة” في التعامل مع هذا الملف، وأنه حان الوقت لأن لا تدير بعض الدول، بما فيها الصين المشاكل، بل عليها إيجاد حلول لها. فهي دولة تعاني من الحركات الانفصالية غير المٌتكئة على سند تاريخ، وتدرك أن النزاعات غير المحلولة هي التي تغذي التطرف والفشل الأمني، لهذا، ستكون مُبادرةً تاريخية لو قامت الصين بجعل صوتها في مجلس الأمن، قويا، وفاعلا، لإغلاق ملف يوجد على مسار “الحزام والطريق”. وبِغلقه تفتحُ مستقبلاً أكثر ثقة واستقراراً بين شعوب منطقة شمال إفريقيا.

وأكدت أن الصين قوة اقتصادية بناتج محلي إجمالي يقدر بـ 18,4 تريليون دولار، كما أنها قوة عسكرية بقوام أكثر من مليونَي جندي في الخدمة الفعلية وما يقرب من 500 ألف جندي احتياطي يشمل وحدات برية وبحرية وجوية، بالإضافة إلى أسطول بحري ضخم يُعد الأكبر في العالم من حيث العدد، وبإنفاق وصل إلى 245,7 مليار دولار هذه السنة، وبتاريخ عريق لأمّة غنية بثقافتها وتراثها، وبثقل سياسي دولي، وكلها عوامل تجعلنا اليوم، ندعو الصين لأن تساهم في خلق آلية لنظام عالمي جديد، وأن تكون فيه لاعبا أساسيا لصناعة المستقبل، وإنهاء الصراعات، وأن تصير عامل ثقة بين الدول في عالم فقد الثقة في الدول الغربية، ويحتاج إلى بدائل”.

كما أشرت إلى أن الصين تملك كل المقومات السياسية والاقتصادية والعسكرية، لأن تلعب دورا حيويا في إدارة العالم، لكبح بذور الفوضى من النمو في العديد من المناطق الساخنة، في ظل عالم أصبح رهين قوى غربية أرست قواعد تتحدث لغة القوة لتعظيم النزاعات وجعلها مشاكل غير محلولة لكبح التطور الطبيعي للدول النامية تحديدا.

حيث نشهد اليوم إبادة جماعية للفلسطينيين لم تحدث في العصر الحديث، وخارج كل قواعد الإنسانية، وعلى أساس ديني وعرقي، يتم إبادة شعب بكامله، بشيوخه، ونسائه، وأطفاله، وتدمير الحجر والبشر في بقعة صغيرة من أرض فلسطين التاريخية، والعالم يتابع هذه الجريمة القاسية بالصوة والصورة مثل فيلم رعب خارج كل قواعد القانون الدولي والإنساني، حيث تداس كل القوانين الكونية، تحت صمت رهيب يقودنا إلى الإفلاس الأخلاقي.

ولأنه ليس وقت العبث، بل هو وقت التحول، دعوت الصين كدولة كبرى، وأمّة عظمى، لأن تكتب التاريخ لا أن تكون شاهدة عليه، وأن تكون فاعلا أساسيا في حل العديد من الأزمات الإقليمية، خصوصا في الدول النامية التي تحتاج لسند دولي لتخرج من فك مساواة الدول الغربية التي مازالت ترهن مستقبل العديد من الدول خصوصا في إفريقيا.

ومن أجل ذلك، دعوت الصين لأن تساهم في الالتزام بميثاق الأمم المتحدة الذي تأسس على ضوء اندلاع حربين عالميتين في القرن العشرين، اتفقت على اثرهما الدول الأعضاء سنة 1945 على ميثاق جماعي، مهد لقيام حلف دولي يكون قادرا على تجنب اندلاع الحروب، ويرسخ التعاون الوثيق بين حكومات مختلف دول العالم، وهو ما نفتقده اليوم بعدما أصبح العبث بهذا الميثاق عاملا أساسيا للفوضى التي يعيشها العالم اليوم.

وأكدت أننا كبشر على هذه الأرض بحاجة إلى تصحيح المسار، بعيدا عن التفكير غير الأخلاقي الذي سيؤدي بنا لا محالة إلى هزيمة ذاتية قاسية. ففي كل قارة هناك حروب وضحايا، وصراعات وأزمات اقتصادية، هناك تقويض مفزع للمعايير والمؤسسات الدولية، وتفرد مُوحش لدول بعينها في اتخاذ القرارات التي تهدد السلم العالمي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *