تجديد عقد ثورة الملك و الشعب

يحتفل الشعب المغربي في 20 غشت من كل سنة بذكرى ثورة الملك والشعب الخالدة باعتبارها ملحمة عظيمة في مسلسل الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة ملكه من أجل الحرية والاستقلال.

ولقد اندلعت الشرارة الأولى لثورة الملك والشعب في ذاكرة المغاربة يوم 20 غشت 1953 عندما قررت الحكومة الفرنسية، باقتراح من الجنرال كيوم، إقالة المغفور له الملك محمد الخامس ونفيه من المغرب والأسرة الملكية إلى جزيرة كورسيكا، ومنها إلى مدغشقر. حيث انتفض الشعب المغربي، وفاء للروابط العضوية بينه وبين ملكه، فخرج بكل فئاته في مختلف أرجاء البلاد في انتفاضة عارمة وبكل شجاعة وحزم من أجل التصدي لمخططات المعمر الفرنسي ليفجر غضبه ويؤكد رفضه المطلق لإبعاد الملك الشرعي عن عرشه ووطنه، وليضرب بذلك مثلا رائعا للوفاء والإخلاص.

وكان للمواقف الشجاعة للملك محمد الخامس، الذي فضل المنفى على التفريط في سيادة المغرب ووحدته الوطنية، وقع كبير وحاسم على نفوس شعبه الوفي ضد الاستعمار والاستبداد والتحكم. ولم يرض الملك لنفسه المذلة والهوان وعبر عن وفائه لشعبه وإخلاصه لعقد البيعة الذي يجمعه به، فاختار سبيل التضحية بحياته من أجل حرية وكرامة الوطن. وقليل من الملوك والرؤساء من بقوا مخلصين لشعوبهم، إذ تآمروا عليها وتنكروا لعهودهم وانحازوا إلى الجهة الغالبة، خانعين وخاضعين مقابل حمايتهم وحماية أسرهم من البطش والنفي أو الاغتيال.

لقد شكلت ثورة الملك والشعب حدثا تاريخيا عظيما، و هي بمثابة عقد جمع بين الملك و بين شعبه ، قوامه العهد و الوفاء للملكية ، وغايته تحقيق الحرية و الاستقلال . كما ترجمت هذه الثورة ، الخالدة في ذاكرة المغاربة ، أروع صور الوطنية الصادقة وأغلى التضحيات في سبيل الوطن، ومنعطفا حاسما في ملحمة الكفاح المغربي من أجل الانعتاق و الحرية.

عقد ثورة الملك والشعب ، سيظل عقدا متجددا في ذاكرة الأجيال عبر التاريخ ، يحتم علينا على الدوام استحضار أرواح جميع المقاومين، بما بذلوا من تضحيات كبيرة، وإشادة خاصة بالعلماء ورجال الفكر والسياسة وطبقة العمال والفلاحين والتنويه بدورهم العظيم في تحرير الوظن ، و استشراف المستقبل لمغرب متقدم و مزدهر تسود فيه الرفاهية .

وفي وقتنا الحاضر، فإن المغرب في حاجة إلى نساء ورجال وشباب متشبثين بروح المواطنة الصادقة ، لتجديد عقد ثورة الملك والشعب ، من أجل مواصلة الإصلاحات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  ، و أيضا من أجل تحقيق التنمية المستدامة و محاربة الفقر و تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة كل أشكال الفساد و القطع مع مرحلة الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة و تكريس الحقوق و الحريات ، كل ذلك في ظل الملكية ضامنة للوحدة و الاستقرار و رافعة للتقدم و التنمية على جميع الأصعدة.

كما وجب التأكيد على أن تجديد عقد ثورة الملك و الشعب يقتضي مساهمة كل من موقعه في الإصلاح و التنمية : الحكومة و البرلمان و الأحزاب السياسية و النقابات و المجتمع المدني و المواطنين قاطبة بروح المسؤولية و المواطنة . وفي نفس الوقت ، ينبغي استبعاد و محاسبة كل المتلاعبين بمصالح الشعب و المقصرين في مسؤولياتهم العمومية ، و الخائنين للمبادئ السامية لثورة الملك و الشعب ولروح شهداء المقاومة .

ألا يخجل هؤلاء عديمي الضمير من أنفسهم ، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك، ولا يقومون بواجبهم؟