القيادات الحزبية تدري يقينا ومنذ مدة ، أن الأحزاب التي ستواصل العيش طويلا وتظل متمسكة بصدارة المشهد السياسي، هي تلك القادرة بأي ثمن كيفما كانت كلفته على استقطاب الأطر والكفاءات و فتح أبواب مقراتها مشرعة أمام الشباب بضمانات حقيقية تفتح شهيتهم في الإقبال على العمل الحزبي والسياسي، وليس بمجرد خطابات نمطية تتقاذفها برامج الأحزاب من مؤتمر إلى آخر ،ومن محطة انتخابية إلى أخرى، أوعروض محتشمة تقدمها أحيانا عبر المنابر الإعلامية والبلاغات الرسمية، و هذه القيادات نفسها تدري جيدا مدى الخصومة والانشطار المتواجد بين الطرفين حيث العزوف يعتلي
منصة الحياة السياسية في كل مناحيها، وأن المصالحة ولحظة التماهي بينها، ليست بالأمر السهل،ولكنها ضرورة للبقاء، فكل المحاولات والدغدغات السابقة لمشاعر الشباب لم تجد نفعا ولم تسفر نتائجها إلا عن الأرقام الصادمةو المخيبة للآمال تلك التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط والتي تفيد بأن 70 في المئة من الشباب لا يثقون في العمل السياسي، و 5 في المئة يؤمنون بالعمل الحزبي و نسبة 1في المئة من المنخرطين منهم فقط في صفوف هذه الهيئات،بينما تشكل هذه الفئة 40 في المئة من الكتلة الناخبة.
وبما أن هذا الواقع لا يليق ببلادنا ولا تؤدي حيثياته نحو مقومات المغرب المنشود، فلابد للهيئات السياسية أن تضع نصب استراتيجياتها المستقبلية للاستقطاب آليات جديدة ومتطورة لاستهداف الشباب وإقناعه بضرورة الإنضمام إلى هذه الهيئات التي لم تنجح يوما ما عبر برامجها وتصوراتها في تأطيره وتكوينه سياسيا حتى يكون جاهزا لممارسة العمل السياسي، واكتفت به مؤثثا لهياكلها ومنتوجا للتسويق والمزايدات، ولا تلفت إليه إلا بنظرة انتهازية في المحطات الانتخابية كآلة ناجعة لتنظيم الحملات وتوزيع البرامج والأوراق الدعائية، ولا تستحضر قضاياه إلا عند هذه الاستحقاقات عوض بلورة رؤية شمولية ومندمجة ترصد رهاناتهم وتجيب عن تساؤلاتهم بإدماج الفاعل الشبابي في السياسات العامة، وتمكينه من حمل مشعل الانتقال الديمقراطي داخل الأحزاب، و بانتهاء عملية الإقتراع مباشرة تنتهي علاقة الشباب بالاحزاب ...فاللجن المحلية والإقليمية التي تشرف على اختيار المرشحين توزع التزكيات حسب رغبة الرئيس والمنسق ومزاجهما،فكل شاب تقدم بطلب الترشح باسم الحزب ورمزه يلقى قرارا بالرفض بمبرر الطيش والطموح الزائد ومحاولة منافسة الرئيس الذي يعين المرشحين ضمانا لعودته إلى كرسي الرئاسة، وهكذا يصبح سلوك الرئيس ومن والاه من المسؤولين جهويا واقليميا ومحليا، سلوكا عدوانيا يقتل شهية الشباب في اللحاق بركب السياسة ويفقد المصداقية لبرامج احزابهم التي تدعو إلى تجديد النخب وتشبيب الحقل السياسي كضرورة املتها التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم وتعرفها بلادنا أيضا، وهكذا تشكلت علاقة نفور وعزوف قوية لا يمكن تفكيكها عبر شعارات فضفاضة ولا برامج مبتدلة، وإنما يتطلب الأمر إرادة سياسية وقوانين تشريعية جريئة تقطع مع الممارسات السابقة وتمنح هامشا محترما لطموحات وتطلعات الشباب من أجل إعادة بناء حلقات الانسجام المفقودة بين الطرفين...
هذا وللشباب أيضا نصيبه الوافر من المسؤولية فيما آل إليه الوضع ،فخوفه وتردده وغيابه قبل تغييبه عن الساحة، أو قبوله لعب الأدوار الثانوية في العملية السياسية برمتها،واكتفائه بالانتقاد من خارج الإطار، عوض الإنتماء والانخراط بكثافة، يساهم في تقزيم دوره المحوري الذي من المفروض أن يلعبه داخل الأحزاب، طبعا طريق الانخراط ليست مفروشة بالورود ، لكن بالإصرار والتدافع يمكن لكل شاب أن يفرض نفسه حتى يجد متسعا له ومساحة كافية في مختلف هياكل الأحزاب للمرافعة عن هموم الشباب من مختلف المواقع،وتسخير كل طاقاته لخلخلة الركود الذي تعرفه هياكل وأجهزة جل الأحزاب السياسية،من منطلق التجديد والتغيير والاحتكام إلى قدرة الشباب على العطاء وجاهزيته على تحمل المسؤولية في تسيير الشأن العام المحلي بكل اقتدار، ولنا في الحكامة الجيدة التي دبر بها بعض الشباب ممن عهد إليهم مسؤوليات حزبية وانتخابية وإدارة مؤسسات عمومية خير مثال على أن انفتاح الهيئات السياسية والدولة بصفة عامة على هذه الفئة أضحى ضرورة ملحة وآنية لا تقبل التأجيل، ولعل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله،الذي ما فتيء يخصص حيزا كبيرا للشباب في كل خطبه، يبعث برسائل كل مرة إلى من يهمهم الأمر من خلال تعزيز حضور الشباب والمرأة خصوصا في مجموعة من التعينات في مختلف المجالات خلال العشرية الأخيرة، لذلك فالارادة الملكية واضحة وقوية في وضع الشباب المغربي في صميم العملية التنموية ببلادنا، ولعل خطابه السامي المتعلق بتشكيل اللجنة الخاصة بالنموذج الجديد للتنمية أكد على حرصه الشديد في جعل الشباب شريكا محوريا في هذا المشروع...
وقد أثبت الشباب المغربي خلال الربيع العربي عن وعي سياسي منقطع النظير من خلال قيادته لمظاهرات شعبية بتفاعل سياسي كبير،بالرغم من عدم انتمائه الحزبي ،وجيء بمكتسبات تاريخية أقرها دستور 2011 لفائدة الشباب،لكن للأسف كانت عملية تنزيلها بطيئة جدا، وبعضها بقي حبرا على ورق، كما أن تشجيع تمثيلية الشباب داخل البرلمان عن طريق تخصيص ثلاثون مقعدا له داخل الغرفة الأولى كان سيفا ذو حدين لأنه خرج عن فلسفته ومراده النبيل حينما خضع في معظمه لمنطق الولاءات والمحسوبية والزبونية ، مما يكرس الصورة السلبية للديمقراطية الداخلية للاحزاب حتى في صفوف الشباب المنخرط داخلها...
وبما أن مسألة العزوف مسؤولية تتقاسمها الأحزاب والشباب وان كان بنسب متفاوتة حسب تقديرنا، فإننا نعتبر أن الأزمة التي يعيشها العالم الآن والمغرب ليس بمنأى عن تداعياتها جراء فيروس كورونا، وما نتج عنها من مظاهر التلاحم والتآزر والتضامن بين كل مكونات الشعب المغربي،لفرصة كبيرة للهيئات السياسية لمراجعة أوراقها تجاه السياسات التي تقدمها للشباب في كل المجالات لاستعادة الثقة المفقودة، وهي كذلك فرصة للشباب لدخول المعترك السياسي والانتخابي بكثافة، بتدافع واستماتة للدعوة الى التغيير من داخل المؤسسات حتى نؤسس لمغرب حداثي متجدد قوي بمؤسساته، مغرب يتسع لكل ابنائه من طنجة إلى الكويرة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.