لقد اضطلعت مواقع التواصل الاجتماعي بدور مغاير وجديد لا سيما منذ انطلاق حركة 20 فبراير إذ انتقلت من وسيلة لتناقل الأخبار والتعارف والتفاعل الافتراضي حول بعض القضايا إلى آلية للتعبئة والضغط من خلال تنظيم وإبداع الأشكال الاحتجاجية (المسيرات – الوقفات- وصلات فيديو – الهاشتاكات- الصور- الكاريكاتير- الفوتوشوب …) وتشارك الوقائع ذات الحساسية السياسية والمجتمعية والاتفاق على الشعارات والخطابات المؤطرة. ما أدى إلى ظهور ثقافة مضادة ترتكز على إنتاج واقتراح بدائل للسياسات العمومية من خلال ديمقراطية تشاركية افتراضية عفوية وأحادية تروم تصويب التوجهات السياسية وأجرأة وتفعيل المخططات التنموية.
ما أدى إلى فرملة وتحييد دور المعارضة السياسية التي تنشط داخل المؤسسات بل تراجع واستقالة الوساطة المؤسساتية منها السياسية والمدنية والنقابية فأصبحت المعارضة الحقيقية والفعلية تتموقع خارج المؤسسات والبنيات المنظمة لترسو في أول الأمر في الشارع في بعده الوطني والجهوي والترابي كموقع للاحتجاح (الرباط – الحسيمة – زاكورة – جرادة – أزيلال – بوعرفة … ) لتمر مع المقاطعة إلى العالم الافتراضي وتنتقل من معارضة واقعية إلى معارضة افتراضية تعتمد منطقا عابرا للحدود ومنفتحا على جميع الحساسيات المجتمعية من خلال توظيف آليات تواصلية وخطابية وتوافقات متعددة الجوانب تجاوزت مفعول وتأثير المعارضة السياسية الكلاسيكية حتى أصبحت هذه الأخيرة تابعة لها ولنبضها وإيقاعاتها لا سيما إذا تمت الإحالة على بعض الوقائع منها لا للحسر اعتذار الحكومة وتناقل بعض القنوات الرسمية لأخبار وتفاصيل المعارضة …
ففي الوقت الراهن هناك حاجة مجتمعية لتلبية مطالب المقاطعة لإعادة الثقة بين المواطنين (الذين تحولوا إلى مواطنين افتراضيين) والدولة عبر تفعيل عمل بعض المؤسسات لاسيما منها مجلس المنافسة وربط المسؤولية بآليات المحاسبة والتركيز على القيم المادية ومنها خصوصا التعليم والصحة والشغل والأمن لكن يتضح أنه من الضروري على الفاعل السياسي أن يستبق التفاعلات الافتراضية حول الراهن المغربي لكي لا يصبح في حالة شرود في علاقته مع المواطنين الذين تحولوا من المواطنة الكلاسيكية (الواقعية) إلى المواطنة الجديدة (الافتراضية) ويشتغل على منطقها ويغوص في آلياتها ويخبر تداعياتها ليتمكن من استشراف مآلاتها واقتراح وإقرار السياسات العمومية الملائمة للمرحلة.
في المقابل لا يمكن تأكيد أو نفي مقولة أن القرارات العمومية يمكن أن تتصاغر أو تضعف أو تستسلم أمام الاحتجاج الإلكتروني لأن هذا الرهان يرتبط بالسياقات المجتمعية والديناميات السياسية وكذلك بالتعاقدات المؤسساتية فعلى سبيل المقارنة هناك عدة أحداث في بعض الدول مثل أمريكا حيث تمكن الاحتجاج الرقمي من أن يؤثر على قرارات بعض المؤسسات (شركات طيران ومؤسسات الخدمات العمومية …). أما في الحالة المغربية يمكن للفاعل المؤسساتي (الحكومة والدولة ) أن تستسلم وتتصاغر أمام الاحتجاج الرقمي إلا إذا أصبح هذا الاخير يشكل خطرا وتهديدا على منظومة العيش المشترك وركائز الرابط الاجتماعي ورهانات التماسك الاجتماعي.
كما أن هناك في القادم من الأيام توجه واضح إلى تعويض احتجاج الشارع بالاحتجاج الرقمي مع أن بعض البنيات والفئات المجتمعية مازالت تؤمن بأن الاحتجاج الواقعي في الشوارع (مثال مسيرات الأساتذة المتعاقدين او الممرضين او الأطباء أو عمال بعض الشركات …) لا يزال يمثل آلية نضالية للضغط والتحاور والدفاع عن المكتسبات وتحقيق المطالب. في هذه الحالة هل يشكل احتجاج الشاشات أداة مساعدة ومواكبة لاحتجاج الشارع الكلاسيكي؟ أم أنه أمام عدم فاعلية احتجاج الشارع ستعمد هذه الفئات إلى نهج احتجاج رقمي لتفادي المواجهة المباشرة مع السلطات وجر الفاعل المؤسساتي إلى معترك العالم الافتراضي الذي لم يخبر بعد متاهاته وتحدياته لوقف تجاهله وضبط تفاعله.