الشرقي أو الشركي بلكنة أهلنا بالراشيدية، هي رياح قارية جافة، تهب من الشرق الجنوبي للمملكة، وتتميز بحرارتها المرتفعة نسبيا، أي "لحمّان" كما يقول "وزّون"، ومناسبة الحديث هنا هو بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية الذي أعلنت من خلاله استقبال سفير دولة فرنسا من أجل الاحتجاج، وإبداء الانزعاج من المناورات العسكرية المغربية - الفرنسية المشتركة المزمع إجراءها شهر شتنبر المقبل بمنطقة الراشيدية، والتي تحمل اسم " شرقي 2025".
وقبل الخوض في هذا الاحتجاج الجديد- القديم، يجب التذكير أنها ليست أول عملية مشتركة، بل المناورات الأولى كانت سنة 2022، وحملت الاسم نفسه "شرقي2022"، وصادفت حينها تأسيس المنطقة العسكرية الشرقية، من طرف القوات المسلحة الملكية، وقائدها العام الملك محمد السادس، والهدف من إنشائها حسب بلاغ صادر عن القوات المسلحة الملكية وقتها هو "الحد من الجريمة العابرة للحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب، وكذلك تعزيز القدرات الدفاعية"، ولعل الخلية التي تم تفكيكها واستغلالها لتضاريس المنطقة من أجل تهريب السلاح، يؤكد أهمية تأسيس المنطقة.
ومناورات "شرقي 2022" عرفت مشاركة اللواء الجوي الرابع، وعناصر من مشاة البحرية الملكية، وست طائرات هليكوبتر من طراز "غازيل" و"بوما" وكيمان"، وكذلك وقتها (كعادته الإسهالية المتعلقة بالبلاغات) أصدر النظام العسكري الجزائري بلاغا يندد ويشجب، ويعتبر الأمر استفزازا.
طيب ما الجديد في "شرقي 2025"، والجديد الرئيس هو الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء الغربية، وهذا هو صلب توجس النظام العسكري الجزائري، ولعل عبارة "تحت مسمى شرقي الذي يحمل الكثير من الدلالات 2025" التي وردت في بلاغ المرادية، تؤكد بشكل واضح بيّن أن التخوف الجزائري الحقيقي اليوم، هو ملف الصحراء الشرقية، لأن المتتبع لصيرورة الأحداث، منذ الاعتراف الفرنسي بمغربية أقاليمنا الجنوبية، سيدرك فورا الدلالات التي يقصد البلاغ، أولا قرار فرنسا الإفراج الوشيك عن الأرشيف المتعلق بالصحراء الشرقية، وثانيا فتح الإعلام الفرنسي لهذا الملف في أكثر من مناسبة، خصوصا القنوات المقربة من الدولة العميقة الفرنسية، أي أن النظام الجزائري يعلم يقينا أن ملف الصحراء الغربية المغربية قد أصبح في حكم المحسوم، والدليل هو عودة الجزائر صاغرة إلى مدريد، رغم الوعيد والتهديد ومانشيطات صحف العسكر التي كانت تتوعد إسبانيا ب"العين الحمرا" عندما دعمت إسبانيا رسميا خطة الحكم الذاتي التي يقدمها المغرب، أما الجديد تقنيا فهو توصل المغرب بالأباتشي المرعبة، وهذا أمر مقلق للغاية لو تعلمون..
نحن أيها السيدات والسادة، أمام نظام متخبط، بل ويمارس العنتيريات داخليا من أجل الاستمرار في تنويم الكائن "البوصبعي" المغلوب على أمره، لكنه في الوقت ذاته يعلم علم اليقين أنه خسر المعركة الدبلوماسية أمام المملكة المغربية، لهذا فالتخوف الأكبر كما قلنا هو فتح ملف الصحراء الشرقية، خصوصا أن العلاقات اليوم بين فرنسا وابتها تمر ربما بأسوأ مرحلة منذ تأسيس فرنسا للجزائر سنة 1962 على حساب أراضي المغرب وتونس وليبيا.
لكن دعونا نعكس الأمر ونطرح تساؤلات، لماذا المغرب لم يصدر يوما أي بلاغ تنديدي بخصوص المناورات التي ينظمها الجيش الجزائري على الجانب الآخر من الحدود الموروثة عن الاستعمار، أي المنطقتين الثانية والثالثة الجزائرية؟ والتي تنظم بمناسبة أو من دونها، وبل وغالبا ما تكون مصحوبة بتصريحات عدائية من طرف كهل الجيش الجزائري الحاكم الفعلي، وعبر مجلة الجيش التي هي الأخرى بدورها تخصص مهاجمة المملكة أو العدو الكلاسيك كما تقول عقيدة الجيش الجزائري، والعقيدة العسكرية مشكل أخر لدى الجيش الجزائري إلى جانب مشكل غياب الهوية التي يعانيه عموم شعب المنطقة المسماة الجزائر؟.
الحقيقة أن النظامين على طرفي نقيض في تركيبتهما الذهنية، نظام عسكري لا يملك أدنى مفهوم للدولة، ويتصرف بهوائية يطبعها الكثير من "النيف" الفارغ، ونظام ضارب في التاريخ، وله باع دبلوماسي يمتد لقرون طويلة، غير متهور ورصين، وهذا هو ما يصنع الشراكات بين الدول، فلا يمكن ان تترك نظاما عقلانيا واقعيا وجديا غير متهور، وتلتفت لكشك عسكري، قد تهب ريح الشرقي الموسمية وتقلعه من جذوره.....ألحمّاااااااان برك أوزوون.
محمود اعبابو - كاتب صحافي