محمد الشنتوف*
بعد 20 عاما من الغياب، عاد المنتخب الوطني ليكتب التاريخ مجددا في ذاكرة المونديال من بوابة روسيا، مجد كتبته أقدام رجالات أبوا إلا أن يحفروا أسمائهم في قلوب المغاربة، بعد سلسلة من الانكسارات وخيبات الأمل، إذ أن جيلين تجرعا مرارة الإخفاقات على مختلف الواجهات لعقدين من الزمن.
في هذه السلسلة التي اخترنا لها عنوان ” رجالات المونديال ” على “بلبريس”، وسلطنا ولا زلنا سنسلط الضوء على مختلف الفعاليات التي حققت هذا الإنجاز الذي أسعد قلوب المغاربة، محاولين التعرف عليهم أكثر، وبطريقتنا الخاصة نستمر في تشجيع منتخبنا للاستمرار تصاعديا في رحلة تألقه.
بعد الغياب الطويل عن المنافسة الأقوى في العالم، دخل أسود الأطلس مونديال روسيا بأحلام شعب وطموحات جيلين كاملين، لن نتحدث عن أخطاء المدرب والتشكيلية التي كان يجب أن يلعب بها، فلكل اختصاص أهله وفلاسفته، بل سنحيي هذا المدرب الذي استطاع أن يعيدنا إلى الواجهة قاريا وعالميا.
وسنتحدث في هذا العدد من "رجالات المونديال" عن مسيرة أسود تمكنوا حقا من الزئير وشرفوا بمشاركتهم الكرة العربية والافريقية رغم مرارة الإقصاء، فأن تلعب أمام منتخب أسيوي قوي اسمه إيران وتخسر بلعنة حظ، وأن تلعب مع بطل أوروبا البرتغال وتخسر بلعنة تقنية الفيديو وتتعادل مع بطل كأس العالم في سنة 2010 تعادلا يؤكد الجميع أنه انتصار معنوي لأسود الأطلس لولا الحكم مرة أخرى.
نعم انتهت رحلة الأسود بالمونديال، لكن وخلافا للظهور الباهت الذي ظهرت به بعض المنتخبات التي ودعت مبكرا، كشر أسود الأطلس عن أنيابهم رغم سوء الحظ وسوء أحوال الطقس التحكيمية، وكانوا عنوانا بارزا في كل الصحف العالمية التي أكدت ولا زالت تؤكد أن المغرب لا يستحق الاقصاء مبكرا.
سوء الحظ كان العنوان الأبرز للمقابلة الأولى أمام إيران، فبعد مباراة صعبة كان التعادل سيدها ومولاها، شاءت الأقدار أن تحرق البطاقة الأولى والنقطة الأولى بنيران صديقة، ولأن المغاربة متسامحون فقد سامحوا بوحدوز الدي كان من دون شك في موقف لا يحسد عليه، لتطوى أولى صفحات الانكسار والخيبة في عيد لم يمر على المغاربة كسائر الأعياد.
و لأن المستحيل ليس مغربيا، عقدت أحلام التأهل في مباريات الكبار، وكان بالإمكان تحقيق ذلك، فبطل أوروبا لولا تعطل تقنية الفيديو طيلة المباراة كان سيتجرع هزيمة قاسية، وحتى رونالدوا الخطير سجل هدفا مشكوكا في أمره بعدما دفع بيبي داكوستا ليفسح له الطريق، وبعدها لم نرى الدون إلا في كرتين أرسلهما إلى قمة جبل توبقال، أما الأسود فقد ارتدو عباءة الأبطال، على رأسهم ابن الريف نور الدين أمرابط، الدي لم يمنعه داء فقدان الذاكرة من تدكر حبه ووفائه لوطنه ودفاعه عن قميصه، بما أن كرة القدم قد ترفعك إلى القمم أو ترسلك إلى العدم، فقد أعدم الحلم المغربي بسبب ظلم الفيفا وقرار الحكم .
ولم تغب غيوم سوء أحوال لطقس التحكيمية عن سماء روسيا، أما أمطار البطاقات الصفراء فقد تساقطت بقوة في الملعب وبللت أسماء اللاعبين المغاربة خاصة، ولكن رياح بوطيب هبت بما لا تشتهيه سفن إسبانيا، ليسجل هدفا مر من بين أقدام حارسها الكبير دي خيا، ولكن الرسام إنستا حمل ريشته بسرعة ورسم لوحة اسبانية على الأراضي الروسية ختمها الفنان إسكوا بهدف في شباك المحمدي.
وفي الشوط الثاني حار الجار مع جاره وكاد أن يمنع عليه طريق العبور، خاصة بعد هدف النصيري الذي ارتقى فوق مدريد وبرشلونة دفعة واحدة مسجلا هدفا غير ملامح شوارع عاصمة المغرب، ومن الكويرة إلى طنجة كانت الفرحة عارمة، وبهدف سجل من نقطة تسلل قد تلمحه وأنت جالس في سور "المعكازين" بطنجة تأهلت إسبانيا وأقصيت إيران التي تعادلت مع البرتغال في الدقيقة 93.
نعم لم تكن المحكمة التحكيمية عادلة، لكن الافتخار بالمغرب وبأبنائه كان عنوان كبير، وسعادة الشعب كانت كبيرة، ولأن كرة القدم ليست مجرد لعبة، فهي تجعلنا نعبر عن وطنيتنا بلا شعور، تجعلنا نعبر عن حبنا لوطننا الذي لا يساوم، أملا أن تمنحنا باقي الأخبار والمجالات في وطننا تلك السعادة التي لا تقدر بثمن، وذلك الإحساس بأننا حقا في وطن يحبنا مثلما نحبه، فشكرا أسود الأطلس على هذه الأحاسيس الجميلة،" ديما مغرب"
*صحفي متدرب