هل تسمعون أصواتنا؟ قصص عاملات النظافة غير المروية من قلب جيتكس

بين أروقة معرض "جيتكس إفريقيا" بمراكش، حيث تتلألأ أحدث صيحات التكنولوجيا وتتجه عدسات الكاميرات نحو الوزراء ورجال الأعمال، تختبئ قصص إنسانية موجعة لعشرات عمال النظافة خاصة النساء اللواتي يعملن بصمت لتظل واجهة الحدث الأضخم في القارة نظيفة وبراقة.

عاملات النظافة، جيء بهن بشكل مؤقت، ليكنّ الترس الخفي في آلة هذا المعرض الضخم، لكن واقعهن يروي حكاية أخرى بعيدة كل البعد عن وعود المستقبل الرقمي.

"نصل في الخامسة صباحًا ونغادر في السابعة مساءً"، تقول سعاد (اسم مستعار)، بصوت خافت يكاد يضيع وسط ضجيج الابتكار.

لتضيف بحرقة في حديث مع بلبريس: "وعندما نعترض، يتم تخييرنا بين الاستمرار في العمل أو المغادرة. أنا هنا كعاملة احتياطية، أحضرونا خصيصًا بسبب ضغط المعرض".

مقابل ثلاثة أيام من العمل الشاق لساعات طويلة، تتقاضى سعاد وزميلاتها مبلغ 600 درهم اي بمعدل 200 درهم لكل يوم.

في الأيام العادية، إن حالفها الحظ ووجدت عملاً، لا يتجاوز أجرها اليومي 100 درهم. "أنا مضطرة لهذا العمل، لا توجد فرص أخرى. أعيل والدتي ولدي إيجار بيت ومصاريف لا تنتهي". تضيف سعاد
رغم امتلاكها مهارات كمساعدة طباخة، تظل فرص العمل المستقر بعيدة المنال، لتبقى رهينة هذه الأشغال المؤقتة، سعاد تقول إنها تريد من يسمع صوتها وصوت غيرها من نسوة العمل المؤقت الذي لايعتبر حلا لمصاريفها اليومية.

على بعد خطوات، في رواق آخر يعج بالتقنيات المستقبلية، نلتقي سميرة. قصتها أشد إيلامًا. هي ليست فقط عاملة مؤقتة تكافح لتوفير لقمة العيش، بل هي أيضاً ناجية من زلزال الحوز الذي ضرب بيتها في أيت تيمور عام 2023.

بعد أشهر من التشرد المؤقت مع أسرتها، وجدت نفسها مجبرة على الانتقال إلى صخب مراكش، لتعمل في مهنة النظافة غير المستقرة. الأسوأ أن ابنتها الكبرى، التي تركت المدرسة مبكرًا، تعمل إلى جانبها، على بعد امتار فقط، بينما الصغرى تركت مقاعد الدراسة هذا العام أيضاً، ليصبح الفقر والهشاشة قدراً متوارثا.

تحكي سميرة عن معاناتها اليومية: "نقضي أنا وابنتي أكثر من 12 ساعة عمل متواصلة، بدون أي عقد أو تغطية صحية تحمينا".

وعند سؤالها عن الرعاية الطبية في حال المرض، تأتي الإجابة الصادمة: "يعرضوننا على طبيب يمنحنا حبة أسبرين، مهما كان نوع المرض". ورغم أن سميرة في الخامسة والأربعين من عمرها، إلا أنها تبدو وكأنها تجاوزت الستين، فقد حفر الزمن وقسوة الظروف، مضافاً إليها صدمة الزلزال، أخاديد عميقة على وجهها.

عشرات العاملات مثل سعاد وسميرة، يرتدين بدلات بألوان مختلفة لشركات متعددة، تم استقدامهن خصيصًا لأيام المعرض الثلاثة. يعملن بلا وثائق تضمن حقوقهن، ويواجهن ظروفاً قاسية خلف كواليس الحدث الباهر.

وسط كل هذا الزخم التكنولوجي والحديث عن الذكاء الاصطناعي والحلول المبتكرة، وفي حضور وزير التشغيل الذي شارك في فعاليات اليوم الأول، يبرز سؤال مؤلم: هل فكرت أي من هذه الشركات العملاقة أو "الستارتاب" الواعدة في هؤلاء النسوة؟ هل يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في تحسين ظروفهن بدلاً من أن يتوارين خلف بريقها؟

تختفي قصص سعاد وسميرة والعشرات غيرهن وسط الأضواء الساطعة، لكن معاناتهن تظل شاهدة على واقع مرير، حيث تُبنى واجهات التقدم أحيانًا على أكتاف أناس منسيين، يعملون بصمت وتفانٍ، وتظل حكاياتهم تنتظر من يرويها كما يجب.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.