تتصاعد التحذيرات الصحية في المغرب بشأن مخاطر استهلاك الحليب الطازج غير المبستر ومشتقاته، في ظل مؤشرات مقلقة حول احتمال انتقال أمراض خطيرة من الحيوان إلى الإنسان، وعلى رأسها داء السل الحيواني.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية،في تصريح خص به "بلبريس" أن داء السل يُعد من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان أساسًا، حيث تنتقل عدواه في أغلب الحالات من شخص إلى آخر عبر الهواء، سواء عن طريق التنفس أو السعال أو الاحتكاك المباشر.
غير أن خطورة هذا المرض، بحسب حمضي، لا تقتصر على انتقاله بين البشر فقط، بل تتعدى ذلك إلى إمكانية انتقاله من الحيوان إلى الإنسان. إذ أوضح أن الجرثومة المسببة للسل قد تكون حاضرة لدى عدد من الحيوانات، مثل الأبقار، الأغنام، الماعز، القطط والكلاب، ما يجعل انتقال العدوى عبر الحليب ومشتقاته مسألة صحية بالغة الأهمية.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية، وفق ما نقله حمضي، إلى أن نحو 10 في المئة من حالات السل المسجلة لدى البشر في بعض البلدان مصدرها الحيوان، مقابل 90 في المئة تنتقل بين الأشخاص، وهو ما يؤكد، من جهة أخرى، أن سلامة المنتجات الحيوانية تمثل أحد مفاتيح الوقاية من هذا المرض.
ويزداد الوضع تعقيدًا، حسب الطبيب ذاته، بسبب كون الحيوان المصاب لا تظهر عليه الأعراض بشكل فوري، إذ قد تمر عدة شهور قبل رصد أي مؤشرات واضحة على الإصابة. وهو ما يرفع من خطر العدوى، سواء من خلال التلامس المباشر مع الحيوان، أو عبر استهلاك منتجات مشتقة منه، خصوصًا الحليب الخام أو مشتقاته التقليدية، كـ"الرايب" و"اللبن".
كما نبه حمضي إلى أن هذه العدوى لا تصيب الرئتين فقط، بل قد تمس الغدد اللمفاوية أو أعضاء داخلية أخرى، مما يُصعب عملية التشخيص ويزيد من تعقيد العلاج، خاصة لدى الفئات الهشة.
وبالإضافة إلى داء السل، حذر المتحدث من أمراض أخرى قد تنجم عن استهلاك الحليب غير المعالج، مثل التسممات الغذائية، الإسهالات الحادة، والتهابات الجهاز الهضمي، والتي قد تؤدي أحيانًا إلى الوفاة، خاصة عند الأطفال والمسنين والنساء الحوامل ومرضى نقص المناعة.
ولتفادي هذه المخاطر، شدد حمضي على ضرورة التمييز بين أنواع الحليب حسب طرق معالجته، فالحليب الخام، الذي لم يخضع لأي معالجة حرارية، يُعتبر الأكثر خطورة.
أما الحليب المبستر، فيسخن إلى درجة حرارة تتراوح بين 60 و70 مئوية، مما يساهم في القضاء على أغلب الجراثيم. في حين يُعقَّم الحليب المعقم بدرجات تفوق 100 مئوية، مما يضمن القضاء التام على الميكروبات. ويتيح الحليب المعالج بدرجات حرارة فائقة (UHT) حفظه لفترة تصل إلى ستة أشهر دون الحاجة إلى تبريد.
من هنا، دعا حمضي المستهلكين إلى التأكد من مصدر الحليب ومشتقاته قبل استهلاكها، مشددًا على الامتناع عن اقتناء المنتجات المجهولة المصدر أو تلك المتداولة خارج قنوات المراقبة الصحية.
كما أوصى بعدم استهلاك مشتقات الحليب التقليدية المصنوعة من حليب غير مبستر، بما في ذلك بعض أنواع الأجبان المحلية، مؤكدًا أن الغلي أو التعقيم لا يقلل من القيمة الغذائية للحليب، بل يعزز مأمونيته ويوفر حماية فعالة للصحة العامة.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت تتزايد فيه دعوات المختصين إلى تعزيز الرقابة البيطرية، وتحسين شروط مراقبة ضيعات الإنتاج، وتكثيف حملات التوعية في الأسواق ومراكز الاستهلاك.
إذ يُعد التهاون في مراقبة سلاسل إنتاج الحليب، خاصة في المناطق القروية وشبه الحضرية، أحد العوامل التي تسهم في تفشي الأمراض القابلة للوقاية.
وبين ضعف المراقبة وتنامي ثقافة الاستهلاك التقليدي، يبرز داء السل الحيواني اليوم كجرس إنذار يستوجب التدخل، حمايةً لصحة المواطنين، وتحصينًا لمنظومة السلامة الغذائية بالمغرب.