دراسة تنبه إلى حجم النقص في مستوى الوعي بشرعية الحريات الفردية والدينية والجنسية

أشارت دراسة لمركز “منصات” إلى أن المجتمع المغربي يشهد جملة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقيمية، التي يقع بروز الاتجاهات الفردانية في قلبها، ما يكثف الطلب على الحريات الفردية.

ومقابل ذلك، نبهت الدراسة إلى حجم النقص في مستوى الوعي بشرعية الحريات الفردية بشكل عام، والدينية والجنسية بشكل خاص، حيث تميل شريحة لا بأس بها من المغاربة نحو هذه الحريات في الممارسة، إلا أن هذا الميل لا يوازيه تطور الوعي اتجاه مشروعية هذه الحقوق والحريات، الشيء الذي يعرقل الاعتراف بها ومَأسستها بشكل رسمي وقانوني.

وتوقفت الدراسة على محورية السياسات الدينية في تكريس هذه المفارقة، مبرزة أن كل الإصلاحات التي عرفها الحقل الديني بالمغرب ظلت متشبثة بنفس الثوابت، الخالية تماما من أي بعد حقوقي، رغم تنامي الحريات الفردية، والميل نحو الفردانية وسط المغاربة.

وسجلت الدراسة المعنونة ب”السياسات الدينية الرسمية تصنع مفارقات مجتمعية بالمغرب” أن كل الإصلاحات الدينية، ركزت على البعد الأمني المتجسد في استباق أي محاولة إرهابية، ثم المرتكز الاحتوائي والذي تمثله عملية احتواء كل الاتجاهات السياسية المعارضة للنظام الملكي، والمرتكز الأيديولوجي المتمثل فيما سمي بـ”تجديد الخطاب الديني” الهادف إلى تعزيز مكونات الهوية الدينية الوطنية وفق منظور صناع السياسات العامة لهذه الهوية.

ومقابل ذلك بقيت هذه السياسات في ابتعاد أو تجاهل لأي اعتماد على “مرتكز حقوقي” يعترف من جهة بشرعية اختيارات المواطنين المختلفة عن تقاليد السياسات الدينية المغربية المتمركزة حول الإسلام أساسا، ومن جهة أخرى يسعى إلى نشر وعي حقوقي يمتع السلوكات التحررية للمغاربة بكامل الشرعية.

ويقع هذا في ظل التنامي السريع للحريات الفردية بالمغرب، والميل إلى الفردانية، والذي تعكسه حسب الدراسة نتائج البحث الكمي الذي أظهر أن مسألة اختيار الزوج بالنسبة لـ 65.8% من المغاربة المبحوثين تتم بطريقة فردية وحرة.

كما أقرَّ 87.3% وأكثر من 70% من مبحوثي العينة المدروسة أنهم مستقلين في اختيار لباسهم، وكذا في السفر مع الأقرباء والأصدقاء بحرية وبدون وصاية من المقربين.

وفي نفس السياق أفاد (41.7%) من المبحوثين بأن من يغير مذهبه الديني فهو حر ولا يهمهم أمره، فضلا عن أن 15% من العينة المدروسة عبرت عن عدم اهتمامها بمن يغير دينه من المسلمين، هذا ناهيك عن أن 39.7% من المبحوثين أكدوا أن اعتناق المسلم لديانة أخرى هو حرية شخصية مرتبطة بالشخص المعني بهذا الاختيار.

واعتبرت الدراسة أن هذا الميل المتصاعد نحو الفردانية يجب أن يترافق مع توسيع هامش حقوق وحريات هؤلاء الأفراد، وأهم شيء يجب أن يترافق مع تطور “الوعي” بأهمية الفرد وبضرورة تمتيعه بحقوق وحريات فردية أساسية لتحقيق ذاته وانسجام مكونات شخصيته.

ونبهت الدراسة إلى أن المفارقة تكمن في كون السلوكات تنزع إلى التحرر والتَّفرُّد، إلا أن الوعي يبقى مياَّلا إلى المحافظة اتجاه بعض المستجدات التي تمس بعض القيم والسلوكات، إذ لا يمشي منطق السلوك مع منطق الخطاب والتفكير في خطين متوازيين.

ولاحظت الدراسة بأن تطور الفردانية دون تطور ثقافة وعقلية مرتبط بها ومبررة لها، خصوصا على المستوى الحقوقي، يعد مشكلة اجتماعية وثقافية وسياسية بالمغرب، ساهمت في خلقها السياسات العمومية لوزارة الداخلية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي كانت لها انعكاسات سلبية معرقلة لبزوغ ثقافة حقوقية حديثة في المغرب، الشيء الذي يبطئ مسار تطور الوضع الحقوقي.

واعتبرت أن الوزارتين مدعوتين اليوم إلى المساهمة في رأب هذا الصدع والتخفيف من آثاره، وذلك بالاعتماد على سياسات عمومية بديلة تنبني على مرتكز حقوقي أساسا، إلى جانب مرتكزات أخرى.

ورغم أن الممارسات الدينية والجنسية متحررة ولا تخضع دائما للمعايير والقيم الأخلاقية السائدة، غير أن الموقف من هذه الممارسات لا يزال مُحافظاً إلى حد ما، فرغم الاعتراف بكون الممارسات الجنسية الرضائية منتشرة، إلا أن نصف المبحوثين مع تجريمها.

ومما يفسر التفاوت بين الوعي والممارسة، حسب الدراسة، هو ميل بعض الأفراد إلى تبني بعض السلوكات المتحررة حينما تساعدهم على تحقيق أهدافهم ونيل مصالحهم، حتى لو كانت هذه السلوكات متناقضة مع القيم التي يتشبعون بها، وقد يعتنق الأفراد في حالات أخرى قيم حديثة وتحررية فقط مرحليا، وضمن استراتيجية تهدف إلى اغتنام بعض المصالح والمكتسبات.

وأكدت الدراسة أن تغيير السياسة الدينية المعتمدة بالمغرب ستكون له مكاسبه، ودعت إلى مراجعة مجموعة القانون الجنائي المغربي على ضوء التوصيات المقدمة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئات المعاهدات.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.