انتخابات “المونديال” تقترب… والأحزاب مطالبة بتجديد دمائها

أفر العدد الثاني من المجلة العلمية “قضايا الشباب”، الصادرة عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل، معطيات لافتة حول موقع الشباب المغربي في معادلة المشاركة السياسية، في سياق يفرض تحديات متزايدة على الدولة وعلى الأحزاب السياسية مع اقتراب محطة 2026 الانتخابية، التي تبدو فرصة حاسمة لإعادة ترتيب العلاقة بين الجيل الجديد والحقل السياسي.

الدراسة التي أعدها الباحث جمال الشعاري من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، خلُصت إلى أن المدخل الحقيقي لتجديد الثقة بين الشباب والسياسة لا يمر فقط عبر إصلاحات مؤسساتية أو تحفيزات قانونية، بل من خلال تغيير جذري في تركيبة النخب السياسية، التي ما زالت في مجملها تحتكر القيادة وتكرس نوعاً من “شخصنة الأحزاب”، على نحو أدى إلى عزوف متنام لدى الشباب، وانشقاقات داخلية أضعفت الكثير من التنظيمات.

تقرير الدراسة شدد على أن النخب التقليدية، التي عمّرت طويلا في مراكز القرار، تمثل أحد أبرز أسباب الإحباط لدى الشباب، الذين يجدون أنفسهم أمام أنساق سياسية راكدة لا تتجدد، وأمام أحزاب لم تنجح في بلورة ثقافة إشراك حقيقي لجيل جديد قادر على حمل هموم الشارع والتفاعل مع التحولات المتسارعة في المجتمع.

ومع اقتراب الانتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2026، تطرح هذه المعطيات تحديا على الفاعلين السياسيين، في ما يشبه اختباراً لمصداقية دعوات تشبيب الحياة السياسية. فالمجتمع المغربي، كما تشير خلاصات المجلة، يتطلع إلى انتقال ديمقراطي فعلي، عنوانه الأبرز: تداول النخب، ومشاركة وازنة للشباب، واستقلالية تنظيمية حقيقية للشبيبات الحزبية.

الوثيقة لفتت إلى أن الانخراط الشبابي في العمل السياسي لا يمكن أن يكون ناجحاً ومثمراً إلا إذا ارتكز على إصلاحات مؤسساتية وتشريعية عميقة، تشمل مراجعة التقطيع الانتخابي، وإرساء نظام اقتراع أكثر عدالة، وتمكين اللجان الانتخابية من الوسائل الضرورية لضمان نزاهة العمليات، إلى جانب تفعيل دور المعارضة في التأطير السياسي والتوعية بأهمية المشاركة.

كما أشارت الدراسة إلى ضرورة القطع مع مقاربات سابقة تعاطت مع مشاركة الشباب كإجراء شكلي أو كحصص رمزية داخل لوائح الترشيح، داعية إلى تبني رؤية شاملة تنطلق من واقع الشباب المغربي، وتلامس انتظاراته، عبر سياسات عمومية تراهن عليه كشريك فعلي في صنع القرار، لا كفاعل موسمي.

ولم تغفل الدراسة بعض الإكراهات التقنية والتنظيمية التي تؤثر في نسب المشاركة، من قبيل تزامن الانتخابات مع العطل الصيفية، وصعوبة توزيع البطاقات الانتخابية، وتعدد الأحزاب وتشابه أسمائها، وهو ما يعمق الارتباك، ويعزز العزوف، ويحدّ من فاعلية الاقتراع باعتباره آلية ديمقراطية.

لكن، في جوهرها، فإن الأزمة أعمق من أن تُعالج فقط عبر تقنيات التحفيز أو التيسير الإداري. إنها أزمة تمثيلية حقيقية، تتطلب تجديد الدماء داخل المؤسسات الحزبية، والقطع مع عقلية الاحتكار، وفتح المجال لقيادات شبابية تحمل مشروعاً تغييرياً، يعيد الثقة للعمل السياسي، ويمنح انتخابات 2026 معناها الديمقراطي الحقيقي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *