لم يعد الحديث عن “النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية” مجرد تصور نظري، بل أصبح حقيقة تتجسد على أرض الواقع في جهة الداخلة – وادي الذهب.
ما تشهده المدينة والجهة ككل من حركية دؤوبة وتحولات متسارعة ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة رؤية استراتيجية واضحة وتنسيق محكم بين مختلف الفاعلين المؤسساتيين، وفي قلب هذه الديناميكية يبرز التعاون الوثيق بين السلطات المحلية، ممثلة في ولاية الجهة، والهيئات المنتخبة التي يقودها مجلس الجهة برئاسة ينجا الخطاط.
هذا التناغم المؤسساتي هو المحرك الحقيقي خلف التغيير الجذري الذي يجعل من الداخلة ورشًا مفتوحًا على المستقبل.
فخلال عطلة نهاية أسبوع واحدة فقط، في منتصف نوفمبر 2025، تكثفت الأنشطة التي قادها رئيس الجهة لتعكس حجم الطموح الذي يسكن المنطقة. فالتنمية لم تعد تقتصر على البنى التحتية التقليدية، بل أصبحت ترتكز على دعائم الاقتصاد الحديث: المعرفة والابتكار.
إن احتضان المدرسة العليا للتكنولوجيا لتوقيع اتفاقيات شراكة استراتيجية مع أقطاب رقمية وطنية كـ “Maroc Numeric Cluster” وبرامج لدعم التشغيل مثل “JobInTech”، بالإضافة إلى الانفتاح على التعاون الأكاديمي الدولي مع جامعة لابي بغينيا، يمثل خطوة ذكية نحو بناء “العقول” التي ستقود تنمية الغد.
ةتحمل هذه المؤشرات رسالة واضحة مفادها أن الاستثمار في الرأسمال البشري وتوطين الكفاءات يقع في صلب اهتمامات الخطاط ينجا ومجلسه، بهدف تحويل الداخلة إلى قطب جامعي وتكويني حقيقي، وليس مجرد منطقة عبور.
بموازاة ذلك، تخطو الجهة بثقة نحو المستقبل الرقمي والأخضر. لم يكن اجتماع وزيرة الانتقال الطاقي والوزيرة المنتدبة المكلفة بالتحول الرقمي مع والي الجهة ورئيسها لتوقيع اتفاقيات مساء الجمعة 14 نوفمبر، حدثًا بروتوكوليًا عابرًا. بل هو الإعلان الفعلي عن ميلاد منظومة اقتصادية متكاملة ومستدامة.
الحديث هنا عن تأسيس حرم لمركز بيانات أخضر (Green Data Center) و”معهد الجزري للطاقة الذكية والاستدامة” لا يعني مجرد إنشاء بنايات، بل هو وضع حجر الأساس لقطاعات ستشكل عصب الاقتصاد العالمي في العقود القادمة.
هذا التوجه يضع الداخلة في موقع متقدم على الخارطة الوطنية والإفريقية في مجالات الرقمنة والطاقات النظيفة، ويجعلها قادرة على جذب استثمارات نوعية ذات قيمة مضافة عالية.
إن هذه المشاريع الطموحة لا يمكن أن تنجح بمعزل عن سياقها الجيوسياسي. وهنا يتجلى البعد الآخر لجهود رئيس الجهة من خلال مشاركته الفاعلة في منتدى “MD Sahara”، إذ لم يكن حضوره في الجلسة التي تناولت دور الصحراء المغربية في الوحدة والتنمية والدبلوماسية مجرد مشاركة رمزية. بل هو تأكيد على أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية هي الرافعة الأساسية لتعزيز الموقف الدبلوماسي للمملكة.
“إعلان الداخلة” الذي توج أشغال المنتدى، لم يكن ليصدر من فراغ، بل من منطقة تشهد على الأرض تحولًا حقيقيًا يدعم الرؤية الملكية السامية بجعل هذه الأقاليم جسرًا استراتيجيًا نحو إفريقيا جنوب الصحراء.
وبناء على ما سبق، فإن ما يجري في الداخلة اليوم يتجاوز كونه مجرد سلسلة من المشاريع المنفصلة، بل إننا نشهد تبلور نموذج متكامل للتنمية الترابية، حيث تتناغم فيه الأبعاد الاقتصادية، الأكاديمية، الرقمية، الطاقية، والدبلوماسية.
هذا النموذج ما كان ليتحقق لولا وجود إرادة سياسية قوية وتناغم فريد بين الإدارة الترابية والمجالس المنتخبة.
إن الدور الذي يلعبه ينجا الخطاط، بالتنسيق مع والي الجهة وبدعم من الحكومة، يثبت أن القيادة المحلية الفاعلة والمتناغمة هي المفتاح لتحويل الاستراتيجيات الكبرى إلى إنجازات ملموسة تغير حياة المواطنين وترسم مستقبل الأجيال القادمة.