أصدر مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، تقريرا تحليليا جديدا يسلط الضوء على التحول العميق الذي أحدثته قرار مجلس الأمن رقم 2797، الصادر في 31 أكتوبر 2025، والذي شكل وفق قراءة المركز “منعطفا تاريخيا” في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
ويذهب التقرير، الذي أعده الدبلوماسي المغربي محمد لوليشكي، وممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة سابقا، مباشرة إلى صلب المتغيرات الجوهرية التي حملتها الوثيقة الأممية، معتبرا أنها كرست ولأول مرة وبشكل صريح المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها القاعدة الوحيدة للتفاوض، منهية بذلك عقودا من الالتباس ومحيدة خيار الاستفتاء نهائيا من دائرة النقاش.
ويبسط التقرير السياق السياسي الذي رافق لحظة التصويت، مذكرا بأن الخطاب الملكي الذي تزامن مع الجلسة الأممية لم يكن مجرد تفاعل بروتوكولي، بل إعلانا رسميا عن انتقال حقيقي نحو مرحلة جديدة في مسار هذا الملف.
وفي هذا السياق نوه الخطاب الملكي بالموقف الدولي الداعم للمبادرة المغربية، وخص الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة بامتنان واضح، ثم دعا سكان مخيمات تندوف إلى العودة إلى الوطن والمشاركة في الدينامية التنموية للأقاليم الجنوبية ضمن صيغة الحكم الذاتي، مع تجديد نداء اليد الممدودة للرئيس الجزائري من أجل فتح صفحة جديدة وتفعيل مسار الاتحاد المغاربي على أسس الاحترام المتبادل والتعاون.
ويرى التقرير أن أهمية القرار لا تكمن فقط في مضمونه، بل أيضا في الطريقة الاستثنائية التي صيغ بها، فللمرة الأولى، تخلى “حامل القلم” الأميركي عن التقليد الأممي القائم على البناء التراكمي للنصوص السابقة، واختار صياغة مختصرة وحاسمة، وهي إسقاط لمعظم الفقرات المتوارثة، وحذف لأي إشارة إلى المقترحات المنافسة بما فيها تلك التي تقدم بها البوليساريو في أكتوبر الماضي.
ووفق التقرير فإن هذا التغيير الجذري، مثل انقلابا على مسار طويل من التحفظات اللغوية والدبلوماسية التي كانت تقيد أي قفزة نوعية في معالجة الملف.
ووفق المصدر ذاته، قد جاء هذا القرار ليقطع الطريق على أي محاولة لإعادة تدوير سيناريوهات تجاوزتها الأمم المتحدة منذ 2001، ويؤكد أن النقاش المقبل لن يكون حول مبدأ السيادة، بل حول مستوى الصلاحيات التي ستمنح لجهة الصحراء في إطار السيادة المغربية.
ويشرح التقرير بدقة أن الفقرتين الأساسيتين في القرار هما اللتان تحددان طبيعة المرحلة المقبلة: دعوة الأمين العام ومبعوثه الشخصي إلى إطلاق مفاوضات تستند حصرا إلى مبادرة الحكم الذاتي، ثم مطالبة الأطراف بالانخراط في نقاشات بدون شروط مسبقة، مع اعتبار أن الحكم الذاتي هو الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق.
ويقرأ لوليشكي هذه الإشارة تحديدا كدعوة صريحة للمغرب لتطوير تفاصيل مبادرته بما يعزز جاذبيتها، خصوصا أن السياق الدولي بات أكثر استعدادا لتبينها كإطار نهائي.
ويتوقف التقرير أيضا عند خارطة التصويت داخل مجلس الأمن، مبرزا الدلالات السياسية لمواقف القوى الكبرى، بعد تبني القرار بأغلبية 11 صوتا ومعارضة غير مباشرة من روسيا وامتناع الصين، وهو ما كشف وفق المركز التحالفات الجديدة التي تتشكل حول الملف، كما أبرز الدور الحاسم للولايات المتحدة، التي اعتبرتها الدبلوماسية الجزائرية نفسها متفردة في توجيه القرار.
ويشير التقرير إلى أن الجزائر وبعد أيام من اعتماد القرار 2797، حاولت تقديمه كإنجاز متوازن، قبل أن يقر وزير خارجيتها بأن بلاده كانت “على بعد خطوة من التصويت لصالحه”، وهو ما يعتبره المركز مؤشرا على إدراك عميق بأن القرار أصبح إطارا ملزما، بمقتضى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، وأن عدم التصويت لا يعفي من الالتزام بتنفيذه.
ويبرز التقرير أن رد فعل البوليساريو كان باهتا مقارنة بحدة خطابها قبل أيام من التصويت، إذ انتقلت من خطاب الرفض القاطع، إلى مجرد أخذ العلم، مع التمسك بخيار الاستفتاء رغم تجاوزه أمميا منذ أكثر من عقدين، وهو ما يرى فيه المركز انعكاسا لارتباك سياسي أمام مسار دولي بات محسوما.
ويخلص التقرير إلى أن القرار 2797 لا يمثل مجرد وثيقة سياسية، بل بداية مسار تفاوضي جديد، ستخضع فيه نوايا الأطراف وقدرتها الحقيقية على الانخراط في حل نهائي لاختبار دقيق.
إذ بالنسبة للمغرب، يفتح القرار ورشا استراتيجيا لصياغة نسخة محدثة من مبادرة الحكم الذاتي، تستلهم تاريخه المؤسسي العريق، وتؤكد أن المملكة، كغيرها من الدول ذات العمق التاريخي، تمتلك نموذجها الخاص في تدبير جهاتها وحماية وحدتها الترابية.
ويرى المركز أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في بلورة حل دائم يعزز الاستقرار الإقليمي، ويرسخ موقع المغرب كفاعل ملتزم ومسؤول في مواجهة أحد أقدم النزاعات في المنطقة.