كشف الباحث المغربي حسن رامو، في دراسة حديثة، عن تورط النظام الجزائري في زعزعة الاستقرار الأمني لجارته تونس عبر توظيف منظم للإرهاب كأداة جيوسياسية، معتمدا على قاعدة بيانات الإرهاب الدولية التابعة لجامعة ميريلاند، ومعطيات المؤشر العالمي للإرهاب، والتي رصدت تقاطعًا لافتًا بين موجات العنف الإرهابي التي ضربت تونس وبين مواقفها السياسية الخارجية، خصوصًا في الفترات التي شهدت تقاربًا مع المملكة المغربية.
وتشير الدراسة إلى أن الفترة الممتدة من 2013 إلى 2019 شهدت ذروة النشاط الإرهابي في تونس، بالتزامن مع رئاسة كل من منصف المرزوقي والباجي قايد السبسي، وهي المرحلة ذاتها التي عرفت تقاربًا تونسيًا مع الرباط.
هذا التوجه، حسب الباحث، استفز النظام الجزائري الذي لجأ إلى تصعيد التهديدات الأمنية داخل تونس، عبر عمليات إرهابية مركزة استهدفت في الغالب عناصر الجيش والأمن، بنسبة تجاوزت 80%، وتم تنفيذها في ولايات محاذية للحدود الجزائرية كالقصرين وجندوبة.
ويربط تقرير رامو بشكل مباشر بين عدد من المحطات السياسية والدبلوماسية، مثل زيارة الملك محمد السادس إلى تونس في ماي 2014، وتبادل الاتصالات والزيارات الرسمية بين الرباط وتونس، وبين التصعيد الإرهابي الذي شهدته البلاد. بل أكثر من ذلك، يذهب التقرير إلى أن أول زيارة قام بها الرئيس قيس سعيد بعد انتخابه في 2019 نحو الجزائر لم تكن اختيارًا بريئًا، بل استجابة لشروط أمنية ضمنية من طرف الجار الشرقي، وهو ما يُفسر تراجع وتيرة العمليات الإرهابية بشكل مفاجئ ومثير منذ تولي سعيد الحكم.
ومن أبرز المعطيات الصادمة التي أوردتها الدراسة، تلك المتعلقة بالجنرال الجزائري عبد القادر آيت وعرابي، الملقب بـ“حسان”، والذي أُقيل من مهامه وسُجن سنة 2015 بعد تزايد الضغوط الدولية على الجزائر، إثر تورط استخباراتها في هجمات إرهابية راح ضحيتها مواطنون غربيون في تونس. محاميه حينها صرح بوضوح أن موكله لم يكن يتحرك إلا بناءً على أوامر من رؤسائه، في إشارة مباشرة إلى الجنرال توفيق مدين، مهندس الأجهزة الأمنية الجزائرية لسنوات طويلة.
حل جهاز DRS الجزائري في يناير 2016 أدى إلى تراجع مؤقت في الهجمات، قبل أن يعاد هيكلته سنة 2017، في مؤشر على رغبة الجزائر في الإبقاء على ورقة الإرهاب في معادلاتها الجيوسياسية. ويثير الباحث المغربي المخاوف مجددًا عقب تعيين نفس الجنرال، حسان، في ماي 2025 على رأس جهاز الاستخبارات الداخلية، ما ينذر، حسبه، بعودة محتملة لاستراتيجية الضغط الإرهابي ليس فقط على تونس، بل على دول الساحل والمجال المتوسطي برمته.
ويخلص التقرير إلى أن السياسة الجزائرية، رغم شعاراتها المنافقة في محاربة الإرهاب، تثبت بالأرقام والتوقيتات أنها كانت توظف هذه الظاهرة للتأثير على اختيارات جيرانها، وتحديدًا تونس، التي تحوّلت إلى ساحة ابتزاز دبلوماسي دموي.
كما اعتبر أن استقبال تونس لزعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، ودعوة الجبهة الانفصالية إلى قمم دولية، ليست إلا نتيجة لهذا الابتزاز الأمني، الذي دفع تونس إلى التراجع عن استقلال قرارها السيادي.
ويحذر رامو في ختام دراسته من صمت المنتظم الدولي إزاء هذه الممارسات، معتبرًا أن الجزائر لا تزعزع استقرار تونس فقط، بل تُهدد تماسك المنطقة برمتها، وتمهد لمرحلة جديدة من الحروب الرمادية، حيث تُستعمل الجماعات الإرهابية كأذرع ضغط عابرة للحدود، في خرق واضح لكل المواثيق الدولية.