خبيران يبرزان دلالات تقرير المعهد الملكي الإسباني بشان الصحراء

اعتبر المعهد الملكي الإسباني “إلكانو” أن فكرة تنظيم استفتاء حول الصحراء المغربية أصبحت اليوم شبه مستحيلة، واصفا هذا الخيار بأنه بات من قبيل “المعجزات الدبلوماسية”.

وأوضح المعهد، في تقرير صدر يوم الجمعة 7 أكتوبر الجاري، تحت عنوان “الصحراء المغربية.. كل الأوراق بيد المغرب”، أن القرار الأممي رقم 2797 مثّل عمليا نهاية مسار النزاع، مؤكدا أن الكفة تميل بشكل واضح لصالح المغرب الذي راكم تفوقا سياسيا وميدانيا كبيرا، في مقابل تراجع جبهة البوليساريو وتخلي جزء واسع من المجتمع الدولي عن دعمها الفعلي.

وأضاف المعهد الإسباني، الذي يرأسه شرفيا الملك فيليبي السادس ويعد من أبرز مراكز التفكير الاستراتيجي في مدريد، أن امتناع الجزائر عن المشاركة في تصويت مجلس الأمن الأخير يعكس حالة من “الإرهاق الدبلوماسي” وتراجع الحماس للدفاع عن قضية لم تعد تدر عليها أي مكاسب سياسية أو استراتيجية.

ويرى التقرير أن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيدا من الحزم من جانب الرباط التي تبدو أكثر عزما على استكمال بسط سيادتها على الأقاليم الجنوبية، في ظل انحسار تأثير خصومها وتنامي حضورها على المستويين الدولي والإقليمي.

وفي قراءته للمشهد السياسي، أكد التقرير أن المغرب واصل إحراز تقدم واضح في إدارة الملف، داخليا وخارجيا، بفضل التوافق الواسع داخل البلاد حول مغربية الصحراء.

وفي المقابل، تواجه جبهة البوليساريو عزلة سياسية خانقة وأزمة اقتصادية خانقة جعلتها عاجزة عن تلبية أبسط احتياجات سكان المخيمات أو احتواء حالة الإحباط المتزايدة في صفوفهم.

أما على المستوى الإفريقي، فقد تراجعت مكانة البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي منذ عودة المغرب إلى المنظمة سنة 2017، وهي الخطوة التي فسرها مراقبون بأنها كانت تهدف إلى تقليص نفوذ خصوم الرباط ودفعهم تدريجيا إلى الهامش.

وعلى الصعيد الدولي، سجل التقرير أن المغرب تمكن من ترسيخ دعم قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا لموقفه السيادي، وهو دعم تعزز بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، في ديسمبر 2020، بسيادة المغرب على الصحراء.

ولفت التقرير إلى أن عدد الدول التي تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” تراجع من 84 إلى 47 فقط، في وقت استطاع فيه المغرب أن يفرض مقاربة جديدة للحل تقوم على الحكم الذاتي تحت سيادته باعتباره الخيار الأكثر واقعية لإنهاء النزاع.

كما أظهرت نتائج التصويت الأخير في مجلس الأمن تحولا واضحاً في موازين المواقف الدولية، إذ حصل القرار على تأييد 11 دولة من بينها الولايات المتحدة، مقابل امتناع روسيا والصين وباكستان، ما اعتبره المعهد دليلا على ضعف الاهتمام الدولي بمصير هذا الكيان.

وبشأن الجزائر، الحليف التقليدي للبوليساريو، أشار المعهد الملكي الإسباني إلى أن امتناعها عن التصويت يعكس فقدان الحماسة وتعب الدبلوماسية الجزائرية من ملف لم يعد يحقق لها وزنا إقليميا أو مكاسب ملموسة.

وتوقع التقرير أن تزداد الرباط إصرارا على تثبيت سيادتها الكاملة على الصحراء المغربية، إدراكا منها لضعف أدوات خصومها واستحالة تغيير المعادلة عبر الخيار العسكري.

وختم المعهد الإسباني تحليله بالتأكيد على أن الحديث عن تنظيم استفتاء لتقرير المصير أصبح خارج نطاق الواقعية السياسية، بعدما كانت فرصه ضعيفة في السابق، ليغدو اليوم، وفق تعبير التقرير، “أمرا لا يتحقق إلا بمعجزة الدبلوماسية”.

وفي تعليق على ما ورد في التقرير، قال الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية عصام العروسي في تصريح خص به موقع “بلبريس” إن “اعتبار التقرير استحالة إجراء الاستفتاء والتركيز على القرار 2797 الذي يؤكد السيادة المغربية ويعزز مبادرة الحكم الذاتي، يعكس تحولا مركزيا في طبيعة قضية الصحراء المغربية”.

وأضاف أن “القرار الأممي كان واضحا، وأن كل التأويلات التي تحاول تجاوز النص القانوني أو تقديم تفسيرات مغلوطة تبقى دون أساس، لأن الأمم المتحدة حددت بوضوح أن أي حل أو تسوية سياسية يجب أن تكون ضمن مبادرة الحكم الذاتي، وهو ما يتماشى مع الرؤية المغربية ومع فكر الأمم المتحدة لإيجاد حل واقعي وسلمي وعادل تحت السيادة الوطنية.”

من جانبه، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية خالد الشيات أن “القرار الصادر عن مجلس الأمن يشكل إنجازا غير مسبوق، لأنه لا ينشئ السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية بل يقرها من الناحية العملية، ويجعل من مبادرة الحكم الذاتي المعيار الأساسي لأي تسوية سياسية.”

وأوضح الشيات أن “السيادة المغربية قائمة وثابتة بحكم الواقع والتاريخ، وما حدث هو إقرار دولي بهذه السيادة في إطار منظمة الأمم المتحدة، واستمرار لروح المسيرة الخضراء باعتبارها شكلا مؤسسا لاستكمال الوحدة الترابية “، مؤكدا أن “الاعترافات الدولية اليوم لا تخلق سيادة جديدة بل تقر بواقع راسخ لا يمكن تجاوزه.”

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *