عبّر مستشارو فرق الأغلبية بمجلس المستشارين عن تفهمهم للمطالب الاجتماعية التي رفعها الشباب المغربي في سياق احتجاجات “جيل Z”، معتبرين أنها تعبّر عن تطلعات حضارية نحو مغرب أكثر عدلاً وإنصافاً، مع التحذير من محاولات جهات معينة استغلال هذا الحراك السلمي لتأجيج الفوضى.
وأكد المستشارون أن من يطالب بالإصلاح لا يمكن أن يكون مدمّراً، داعين إلى تغليب المصلحة الوطنية وتفادي التوظيف السياسي الضيق لهذه الاحتجاجات.
ففي اجتماع لجنة الشؤون الاجتماعية المخصص لمناقشة عرض وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي حول إصلاح المنظومة الصحية، استهلّ عبد الكريم الهمس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، مداخلته بدقّ ناقوس الخطر بشأن الوضع المقلق للقطاع الصحي، معتبراً أن الملف أصبح بالنسبة إليه “عقدة نفسية” بسبب تكرار النقاش حوله دون رؤية نتائج ملموسة.
ودعا إلى تسريع تنفيذ البرامج والمشاريع بشكل عملي، وتشديد المراقبة على الأوراش الجارية، مشيرا إلى أن الخصاص في الموارد البشرية يمثل أكبر إكراه، داعياً إلى تكوين الأطباء وإعادة انتشارهم وتشجيع عودة الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج عبر تحفيزات مناسبة، مبرزاً أن أكثر من 12 ألف طبيب مغربي يوجدون في أوروبا ويمكن استقطابهم.
كما انتقد تعطل تجهيزات أساسية مثل أجهزة السكانير، وطالب بإبرام عقود صيانة خاصة وتوفير فرق تقنية ميدانية، مع احترام مسلك العلاج وتشديد الرقابة على المصحات الخاصة وتحسين التواصل داخل المؤسسات الصحية.
من جانبه، اعتبر عبد السلام اللبار، رئيس الفريق الاستقلالي، أن التعبيرات الغاضبة في الشارع تعبّر عن اختلالات حقيقية داخل قطاعي الصحة والتعليم، مؤكداً أن الخلل لا يكمن في الوزراء بل في الأعطاب البنيوية للمؤسسات العمومية.
وقال إن المواطنين يشعرون بغضب حقيقي لأن الخدمات الصحية لا تصلهم رغم الاستثمارات المعلنة، مستشهداً بمفارقات مثل تعطيل السكانير العمومي مقابل تشغيل جهاز تابع لمصحة خاصة مجاورة. وأكد أن بناء مستشفيات جديدة ليس كافياً، بل المطلوب إرادة حقيقية لتغيير واقع الخدمات.
وفي السياق ذاته، أوضح محمد زيدوح، المستشار البرلماني عن الفريق الاستقلالي، أن القطاع الصحي عرف في السنوات الأخيرة ارتفاعاً في الميزانية من 19 إلى 32 مليار درهم، وبناء تسعة مستشفيات جامعية وترميم مئات المستوصفات وتحسين أجور العاملين في القطاع، غير أن هذه المنجزات لا يعرفها المواطنون بسبب ضعف التواصل المؤسساتي.
وانتقد غياب المراقبة المنتظمة في عدد من المراكز، مستشهداً بمستشفى مولاي يوسف بالرباط الذي يعاني من خصاص في الأدوية والأوكسجين رغم الميزانية المرصودة له، داعياً إلى تعزيز الحكامة وضمان وصول الخدمات للمواطنين بشكل فعّال ومنتظم.
أما محمد البكوري، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، فاعتبر أن الاحتجاجات الأخيرة عبّرت فيها فئة واسعة من الشباب المغربي عن مطالب ملحة في مجالي الصحة والتعليم بطريقة حضارية وسلمية، وهو ما يستوجب التعامل معها بالجدية المطلوبة. لكنه نبّه إلى محاولات بعض الجهات استغلال هذه الدينامية لإثارة الفوضى والتشويش على مسار الإصلاحات، قائلاً: “من يطالب بالإصلاح لا يُخرب، ومن يتطلع لمستقبل وطنه لا يُدمّر حاضره”.
ودعا إلى عدم تحويل هذه الأحداث إلى مناسبة لمهاجمة الحكومة أو التشكيك في المؤسسات، مؤكداً ضرورة التواصل الفعّال مع المواطنين لشرح المنجزات الحكومية، ومشدداً على أهمية نقاش سياسي مسؤول وواضح. كما ذكّر بأن المجلس صادق خلال هذه الولاية على 19 نصاً قانونياً يهم إصلاح المنظومة الصحية، من بينها القانون الإطار للمنظومة الصحية الوطنية والقانون الدوائي، معتبراً أن ذلك يعكس إرادة حقيقية لمعالجة تراكمات مزمنة رغم صعوبة التحديات.
وفي مداخلة أخرى، أكد عزيز بوسلخن، المستشار البرلماني عن فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن الحراك الاجتماعي الأخير يعكس واقعاً صعباً وتطلعات مشروعة، خصوصاً في مجالي الصحة والتعليم.
وأوضح أن الاحتجاج السلمي حق دستوري يجب الإصغاء إليه بجدية، مع رفض العنف أو التخريب، داعيا إلى تجاوز منطق تبادل الاتهامات وتسجيل النقاط السياسية، وتحويل اللحظة إلى فرصة للمكاشفة والبحث عن حلول عملية.
كما أشاد بالأوراش الكبرى التي أطلقتها الحكومة، مثل المجموعات الصحية الترابية والوكالات الجديدة وقانون الوظيفة الصحية، مؤكداً أن نجاح هذه المبادرات رهين بقدرتها على تحسين الخدمات اليومية وضمان العدالة المجالية في الولوج إلى الرعاية، خاصة في المناطق القروية، مع إطلاق حوار وطني مؤسساتي وتفعيل إجراءات استعجالية