سجال بين الرميد والجامعي بسبب ابتسام لشكر

تشهد الساحة الفكرية والسياسية المغربية جدلًا حادًا بين الوزير السابق للعدل مصطفى الرميد، والمحامي عبد الرحيم الجامعي حول قضية ابتسام لشكر، ادخلهما في سجال كشف عن خلافات عميقة حول حدود حرية التعبير والموقف من المقدسات الدينية.
بدأت المواجهة عندما وجه الجامعي رسالة مفتوحة للرميد تحت عنوان “رسالة إلى الأستاذ مصطفى الرميد: لست مفتيًا ولا مرشدًا، فلا تكن محرضًا”، منتقدًا موقفه من تصريحات ابتسام لشكر. وقد رد الرميد بنفس العنوان موجهًا إياه للجامعي، معتذرًا في البداية لكل من سيقرأ جوابه على رسالة خصه بها الجامعي كعادته في مناسبات سابقة.
يبرر الرميد قسوة رده بقول الله تعالى “وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين”، مؤكدًا أنه اضطر للجواب بعد أن طفح الكيل، خاصة وأن الموضوع مرتبط بما لا يجوز السكوت عنه.
في النقطة الأولى من رده، يتهم الرميد الجامعي بأنه نصب نفسه من حيث لا يدري مفتيًا ومرشدًا بل ومحرضًا، لأنه لم يطلب قول أهل الاختصاص ممن لهم حق الإفتاء والإرشاد، ومنح نفسه حق الإفتاء في كون نعت الذات الإلهية بالوصف السيئ القبيح يدخل في باب الحق في الرأي والخلاف، معتبرا  أن “الجامعي يحرض بمضمون رسالته على استباحة عقيدة أكثر من مليار مسلم عبر العالم بدعوى الحق في الاختلاف”.
ويؤكد الرميد أن “المعنية بالأمر لم تعبر عن رأي مجرد ولا قالت بقول مخالف ولم تقل إنها لا تؤمن بالله، بل أساءت إلى ذات الإله المعبود المقدس، والله تعالى كما هو معلوم جوهر العقيدة والدين، والدين من الثوابت الجامعة لهذا الشعب بصريح الدستور”.
في النقطة الثانية، يرد الرميد على اتهامه بإطلاق “نار الكراهية” تجاه المعنية بالأمر، مؤكدًا أن التي أطلقت هذه النار هي صاحبة القول المنكر المذموم نفسها، لأنها إذ أساءت إلى عقيدة الناس واستفزتهم جلبت على نفسها شجبهم وسخطهم، وما هو إلا واحد منهم”.
وأضاف أن “الصدور تتسع لكل الآراء المخالفة مهما كانت حينما تقف عند حدود الرأي، أما حينما تصبح إساءة صريحة فاقعة فلا يمكن لمسلم أو مسلمة أن يتسع منهما الصدر للسب أو الإساءة البليغة للذات الإلهية. ويستشهد بقول الله تعالى “وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا”، متسائلًا أيهما أسوأ في الوصف وأكثر قبحًا في القول.
في النقطة الثالثة، يوافق الرميد الجامعي على قوله إنه ليس وصيًا على عقل أحد ولا على عقيدة أحد، لأنه فعلًا مجرد مواطن كباقي المواطنين والمواطنات، لكنه ينكر أن يكون نصب نفسه وصيًا على عقل أحد أو عقيدته أو أقواله أو انتمائه.

 

ويذكر بتجربته الشخصية عندما كان مسؤولًا، حيث أمر النيابة العامة بأن تطلب البراءة في المرحلة الاستئنافية لشخص أعلن اعتناقه دين النصرانية بعد أن أدين ابتدائيًا بتهمة زعزعة عقيدة مسلم، وذلك بعدما تبين له أنه لم يزعزع إلا عقيدته هو دون غيره، وهو ما جعل المحكمة تقضي بإلغاء الحكم المستأنف مع البراءة.

وتابع أن “هناك فرقًا شاسعًا بين من يكون له رأي أو عقيدة أو قول مجرد من الإساءة، وبين من يستهدف استفزاز المشاعر الدينية للناس وتستهويه الإساءة إلى معتقداتهم فيعمد إلى الأوصاف المشينة القبيحة وينسبها إلى الله تعالى”.

وأشار إلى أنه كمواطن عادي قام بواجب التبليغ لسلطات بلاده عما يجب التبليغ عنه، وهو ما تستوجبه المواطنة الحقة التي لا تقبل المس بالثوابت الجامعة، ويبقى لها وحدها سلطة التقدير والقرار. ويؤكد أن الفرق بينه وبين الجامعي أنه أثار الموضوع كالعديد من المواطنين والمواطنات قبل أن تتخذ السلطات المختصة قرارها، أما الجامعي فقد خاض فيه بعد أن اتخذت النيابة العامة قرارها المعلوم”.

 

في النقطة الرابعة، ينتقد الرميد اقتراح الجامعي بأن يتقدم طرفًا مدنيًا ضد السيدة لشكر، معتبرًا أن الجامعي يجهل القواعد القانونية المسطرية وتطبيقاتها القضائية بالمملكة، التي لا تسمح بإقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة إلا لمن تعرض شخصيًا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي بشكل مباشر، وهو ما يجعل محاكم المملكة لا تقبل أي انتصاب للحق المدني في مثل الحالة المثارة.


ويعتبر من العجيب الغريب الذي لا يقبله عقل ولا منطق أن الجامعي وهو “يرشده” بأن يدخل المسطرة من بابها الأصيل وليس من خلفها وأن يجعل من مواجهته للمعنية بالأمر مواجهة حضورية وعلنية، أبى إلا أن يفعل خلاف قوله، لأنه هو الذي دخل المسطرة من بابها الخلفي برسالته تلك، إذ كان عليه أن يحتفظ بكلامه ودفاعه ليتقدم به أمام المحكمة المختصة في إطار ما ينبغي ضمانه للمعنية بالأمر من دفاع ومحاكمة عادلة.


وزاد أن اعتماد أسلوب الدفاع عن المعنية بالأمر أمام الرأي العام دفاع خاسر وأنه زاد الطين بلة وناقض نفسه بشكل صارخ، داعيًا إياه للنظر إلى حجم المنكرين عليه ممن اتهمهم باطلًا بقضاة الشارع والحانات والمناسبات، وهم من هم إذ منهم الفقهاء ورجال القانون وغيرهم.

 

في النقطة الخامسة، يتناول الرميد موضوع حرية الرأي والاعتقاد، مؤكدًا أنها وإن كانت في الأصل حق ثابت لكل شخص فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فإن ذلك ليس بحق مطلق يتيح للأشخاص التعبير عن معتقداتهم وآرائهم بطريقة متوحشة وسيئة، بل إن ذلك مقيد بقيود نصت عليها المواثيق الدولية المعتمدة بشكل واضح وصريح.

واستشهد وزير العدل الأسبق “بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادتين 18 و19 على حق كل شخص في حرية التفكير والضمير والدين وعلى الحق في الرأي والتعبير، لكنه نص أيضًا في المادة 29 على أن الفرد يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي”.


كما يشير إلى أن المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي صادق عليها المغرب، إذ قررت أن لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، فإنها نصت على أنه لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم.

 

يؤكد أن هذه النصوص تفند بشكل قاطع أدعياء الحرية المطلقة في التعاطي مع المقدسات الدينية، وهذا ما جعل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تقضي في قضية المسماة E.S ضد النمسا أن حرية من وصفت النبي محمد بأنه “بيدوفيلي” خلال ندوة، بأن تصريحها تجاوز الحدود المسموح بها للنقاش الموضوعي ولم يساهم في نقاش عام مفيد وكان موجهًا أساسًا للنيل من مكانة النبي الدينية ولم يكن نقدًا أكاديميًا أو تاريخيًا، واعتبرته رأيًا قادرًا على إثارة التحيز وتهديد السلام الديني داخل المجتمع النمساوي.
ويشير إلى أن قرار المحكمة بإجماع قضاتها كان مؤسسًا على أن حرية التعبير محمية لكنها ليست مطلقة، وحثت المحكمة على وجوب احترام المشاعر الدينية وضرورة الحفاظ على السلام الديني كمبدأ من مبادئ المجتمع الديمقراطي.
يؤكد أن ما قالت به المحكمة الأوروبية بشأن نعت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه “بيدوفيلي” يصح أكثر في حق من قالت بشأن الله تعالى من قول تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا.


في خاتمة رده، يؤكد الرميد أن “مما ألحق الأذى الجسيم في عالمنا العربي والإسلامي بصورة حقوق الإنسان المقررة في المواثيق والعهود الدولية، هي القراءات الانتقائية التي تقول خطأً بتناقضها مع قطعيات الدين، أو تلك التي تقوم بتأويل تلك النصوص وإخراجها عن معانيها الأصيلة، مما جعلها أبعد ما تكون عن الحكمة التي جاءت بها”.


ويختتم بقول الشاعر “وكم من عائبٍ قولًا صحيحًا وآفته من الفهم السقيم”، معتبرًا أن هذه هي مشكلة النقيب عبد الرحيم الجامعي”.

يأتي هذا بعدما قررت النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بالرباط، متابعة الناشطة ابتسام لشكر في حالة اعتقال، وأمرت بإحالتها مباشرة على جلسة المحاكمة لتنظر في التهم الموجهة إليها، وذلك بعدما  أمام أنظار وكيل الملك  إثر انتهاء مدة الحراسة النظرية التي قضتها منذ توقيفها يوم الأحد 10 غشت 2025 من قبل عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
وتعود أسباب المتابعة القضائية إلى قيام لشكر بنشر صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت عبارة اعتبرت مسيئة للذات الإلهية، وهو ما أثار جدلا واسعا ودفع السلطات إلى فتح تحقيق في الواقعة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *