شهد المشهد السياسي المغربي في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً بعد خطاب عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال مهرجان نظمته نقابة "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب" بمناسبة فاتح ماي.
لقد أثارت المصطلحات التي استخدمها بن كيران، مثل وصفه لفئة من المغاربة بـ "الحمير" و"الميكروبات"، موجة من الانتقادات والتساؤلات حول مستوى الخطاب السياسي في البلاد وأبعاده. في هذا السياق، قدم المحلل السياسي البارز محمد شقير في حديثه مع بلبريس، تحليلاً معمقاً لهذا الخطاب وتداعياته على المشهد السياسي المغربي.
وقال شقير إن خطاب بن كيران يمثل ’’نموذجاً صارخاً لظاهرة تراجع مستوى الخطاب السياسي في المغرب، حيث أصبح استخدام لغة مبتذلة ومصطلحات تحريضية سمة بارزة في المشهد السياسي. هذا التراجع لا يعكس فقط ضعفاً تواصلياً لدى النخبة السياسية، بل يشير أيضاً إلى أزمة أعمق في الممارسة السياسية والفكر السياسي المعاصر في المغرب.’’
وتابع المحلل السياسي إنه من خلال تحليل خطاب بن كيران، يمكن استنتاج أن الرجل حاول توجيه رسائل سياسية متعددة المستويات. فعلى المستوى الوطني، أكد على مركزية القضية الفلسطينية في وجدان المغاربة، منتقداً بشدة من يقدمون القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء، كأولوية على القضية الفلسطينية. هذا الموقف عبر عنه من خلال انتقاده اللاذع لما أسماه "أصحاب تازة قبل غزة".
وعلى المستوى الحزبي، استغل بن كيران المناسبة النقابية لتحويلها إلى منصة سياسية للرد على خصومه، وخاصة رئيس الحكومة عزيز أخنوش. لقد حملت لغته ملامح العودة إلى المشهد السياسي بخطاب يتسم بالشعبوية، مستعيداً مفرداته السابقة التي ميزت خطاباته السياسية، مثل "الميكروبات" و"التلاعب" و"الفساد". يردف محمد شقير .
في تحليله الدقيق، يرى المحلل السياسي أن خطاب بن كيران لا يرقى إلى مستوى النقاش السياسي المسؤول، بل يدعو للتحريض والعنف والتعصب والعنصرية السياسية. ويضيف شقير في حديثه لبلبريس أن استخدام مصطلح "ميكروب" للإشارة إلى الخصوم السياسيين يشكل تجاوزا خطيرا، لأنه يختزن تحريضاً على التصفية وإعادة تشكيل صورة الخصم السياسي بطريقة مشوهة.
هذا النوع من الخطاب وفق شقير ، يذكر بالأفكار المتطرفة التي اعتنقها بن كيران خلال انتمائه للشبيبة الإسلامية، التي كانت تبيح، حسب المحلل، قتل من تكفره من الخصوم السياسيين، وهو ما أدى في الماضي إلى اغتيال عمر بن جلون، أحد قياديي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ولعل ما يثير القلق هو احتمال أن تكون ترسبات هذا الفكر ما زالت موجودة لدى بن كيران، حتى بعد اندماجه في المنظومة السياسية الرسمية.
تكشف تصريحات بن كيران منذ إعادة انتخابه على رأس حزب العدالة والتنمية عن تركيزه على ضرورة الاستعداد للانتخابات القادمة والفوز فيها، مما يعكس تشبثه بالسلطة. هذا النمط من السلوك يعكس، وفق بعض المراقبين، ظاهرة عامة لدى التيارات الإسلامية السياسية التي تتسم بازدواجية في الخطاب.
فمن جهة، يؤكد قادة هذه التيارات على قيم الإيمان والخدمة في سبيل الله والبحث عن الآخرة، ومن جهة أخرى، يظهرون تشبثاً قوياً بالسلطة والصراع على الحصول عليها، في مفارقة سياسية تثير التساؤل. هذه الازدواجية تتجلى بوضوح في شخصية بن كيران وخطابه السياسي.
إن تراجع مستوى الخطاب السياسي وانتشار لغة التحريض والإقصاء له تأثيرات سلبية عديدة على المشهد السياسي المغربي. فمن ناحية، يساهم في تعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية، ويقوض إمكانية التوافق والحوار البناء حول القضايا الوطنية الملحة. ومن ناحية أخرى، يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين في النخبة السياسية وقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجه البلاد.
كما أن لجوء السياسيين إلى الخطاب الشعبوي والتحريضي يمكن أن يفسر جزئياً كمحاولة لتعويض ضعف البرامج السياسية وغياب الرؤى الاستراتيجية.
وكما يشير محمد شقير في أحد تحليلاته السابقة للمشهد السياسي المغربي، فبدلاً من تقديم حلول واقعية ومبتكرة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، يلجأ بعض السياسيين إلى استمالة العواطف وإثارة الغرائز من خلال خطاب يتسم بالتبسيط والتعميم.
إن تجديد الخطاب السياسي المغربي وتحسين مستواه يتطلب جهودا مشتركة من مختلف الفاعلين السياسيين والنخب الفكرية والإعلامية. يختتم المحلل السياسي محمد شقير تحليله بالتأكيد على أنه ينبغي العمل على ترسيخ ثقافة الحوار واحترام التعددية والاختلاف، وتجاوز منطق التخوين والإقصاء الذي يغذي الانقسامات ويعيق التقدم.
كما يجب على الأحزاب السياسية أن تعيد النظر في خطابها وتطوره بما يتماشى مع تطلعات المجتمع المغربي وتحديات المرحلة الراهنة، لأن المغرب في حاجة إلى خطاب سياسي رصين ومسؤول، قادر على استيعاب التنوع والتعددية، ويحفز على المشاركة والمواطنة الفاعلة، بعيداً عن لغة التحريض والكراهية التي لا تبني وطناً ولا تصنع مستقبلاً.